الجمعة 19 أبريل 2024 - 10:37 صباحاً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

نص كلمة الأزهر بمنتدى تعزيز السلم: رسالة الإسلام تواجه حربًا شرسة لوأدها

الاثنين 11 ديسمبر 2017 11:15:00 صباحاً

لقى الدكتورعباس شومان وكيل الأزهر، كلمة الأزهر في الملتقي الرابع لمنتدي تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة وتلذي يعقد تحت عنوان " السم العالمي والخوف من الإسلام " ، أكد فيها إن رسالة الإسلام منذ بَدْءِ نزولها وهي تواجه حربًا شرسة من أجل وَأْدِها والقضاء عليها، وقد مرت الدعوة الإسلامية عبر تاريخها الممتد إلى أكثرَ من أربعةَ عشرَ قرنًا بمراحلَ عصيبةٍ واجهَ فيها المسلمون ألوانًا شتى من الإيذاء والاضطهاد والتنكيل، حتى إن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لم يسلم من ذلك الأذى، فقد ضيَّق سادات مكةَ وكبراؤها على النبي ودعوته، وآذَوْه ومَن آمن معه إيذاء شديدًا، وطَوالَ تلك القرونِ المديدة من عُمر الإسلام لم تخبُ نار الكيد للإسلام والمسلمين، وإن اختلفت الأساليب وتنوعت الأهداف المعلنة، لكن يبقى الهدف واحدًا، وهو ما نراه جليًّا في الشرق والغرب من خلال متابعة أحوال أتباع الإسلام - دون غيرهم مع الأسف - بذرائعَ واهيةٍ لا تسلم أمام النظرة الموضوعية المجردة، والمعرفة الحقيقية بجوهر الإسلام ورسالته، والفهم الدقيق لنصوصه وشريعته، ويبدو أن اجتماع (دار الندوة) الذي كان في السنوات الأولى من عُمر الدعوة الإسلامية ما زال منعقدًا إلى يومنا هذا، وإن اختلف المكانُ وتغيرت شخصياتُ المؤتمرين. وأضاف وكيل الأزهر أنه ليس من العيب أن نعترف أن بعضَ بني جلدتنا انحرفت بهم عقولُهم السقيمة عن فَهم الدين فهمًا صحيحًا، فشوَّهوا إسلامَنا الحنيف في أذهان مَن لا يعرفون جوهرَ رسالتِه السمحة، فضًلا عن رفضِ بعضِ المسلمين الذين يعيشون في الغرب الاندماجَ في مجتمعاتهم، وسيطرةِ التيارات المتشددة على الخطاب الديني في بعض المجتمعات؛ كلُّ هذا وغيرُه أظهر إسلامَنا الحنيف وشريعتَنا السمحة في صورة الدين الذي يرفض الآخر ويُهدر دمَه ومالَه وعِرضَه، وما ذلك إلا فَهمٌ سقيمٌ وانحرافٌ بالدين عن تعاليمه السمحة على يَدِ جماعاتٍ مارقةٍ لا يُمثِّلُ مجموعُ عناصرها رَقْمًا صحيحًا إذا ما قورن بعدد المسلمين الذي ناهز المليارَ ونصفَ المليارِ حول العالم، فضلًا عن أن الدينَ - أيَّ دينٍ - إذا أُخِذَ بجريرة بعض أتباعه الذين اختاروا الغلوَّ والتشددَ فكرًا والعنفَ والتطرفَ مسلكًا، فلن يسلم من ذلك دينٌ من الأديان، بل إن ذلك ينسحب بالضرورة على كل الثقافات والحضارات، والرسالات السماوية من ذلك كلِّه براء، وقد بَيَّنَ ذلك علماءُ الأمة الثقاتُ، والمرجعياتُ الدينية المجردة، والمجامعُ الفقهية المعتبرة، وعلى رأس هؤلاء جميعًا فضيلةُ الإمام الأكبر شيخ الأزهر في أكثرَ من مناسبةٍ داخلَ مِصرَ وخارجَها. ومن ثم، فإننا في الوقت الذي نقف فيه جنبًا إلى جنبٍ مع المؤسسات المعنية في أوطاننا وفي العالم كلِّه من أجلِ القضاءِ على هذه الجماعاتِ المارقةِ، واستئصالِ شأفتِهم، وتخليصِ أوطانِنا والإنسانيةِ جميعًا من شرورِهم؛ فإننا في الوقت نفسِه نحذر الغربَ من اتخاذ ذلك ذريعةً لتدمير بلادِنا، وفَرضِ الوصايةِ على شعوبنا، وتحطيمِ آمالِنا في مستقبلٍ أفضلَ لشبابِنا والأجيالِ القادمة. وشدد وكيل الأزهر خلال كلمته على أنه من الموضوعيةَ والإنصافَ وإلزامَ كُلٍّ بمسئولياتِه، تُحتِّمُ علينا ضرورةَ التأكيدِ على أن ظاهرةَ (الإسلاموفوبيا) ليست ناجمةً عن انحرافاتِ بعضِ أتباع دينِنا فقط، كما أنها ليست وحدَها ما يؤثر سلبًا على السِّلم العالمي، فالغربُ نفسُه مشاركٌ في ذلك بشكل كبير؛ فلم يَعُدْ يخفى على أحدٍ دعمُ بعضِ الأفراد والمؤسسات في بلاد الغرب لهذا الانطباع السائد عن الإسلام والمسلمين، على الرغم من علمهم اليقيني ببراءة الإسلام من أخطاءِ أو خطايا بعضِ أتباعه. ولعل الأخطرَ من هذه الظاهرةِ تهديدًا للأمن والسِّلم في العالم، تلك الممارساتُ الظالمةُ، والتحيزُ المقيتُ، والقراراتُ الحمقاءُ غيرُ المحسوبةِ العواقبِ التي يتخذها المتحكمون في السياساتِ الدوليةِ وصُناعُ القرارِ في العالم ضد المسلمين وقضاياهم، ومن ذلك على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ تقاعسُ المجتمعِ الدولي عن إنهاء مأساةِ مسلمي الروهينجا في بورما، وغَضُّ الطرفِ عما يتعرضون له من قتلٍ وتشريدٍ واضطهادٍ، وتَركُ المحظوظين منهم الذين استطاعوا الفرارَ إلى مدينة كوكس بازار في بنجلاديش ينتظرون مصيرَهم المأساوي المحتوم إما الموتَ جوعًا أو مداهمةَ الأمراضِ الفتاكةِ، كلُّ ذلك يحدث في صمتٍ مَعيبٍ من المجتمع الدولي يُنبئُ عن موتٍ حقيقيٍّ للضمير الإنساني. ومن ذلك أيضًا عدمُ التصدي الحقيقي والجاد للتطرف والإرهاب الذي ضرب - وما زال يضرب - كثيرًا من بلاد العالم، وخاصةً بلادَ المسلمين في منطقتنا المنكوبةِ التي أصبحت مِنطَقةَ صراعٍ على النفوذ، وحقلَ تجارِبَ عسكريةٍ لقوى العالم. ولا أدلَّ على تلك الممارساتِ الظالمةِ والقراراتِ المجحِفةِ بحق المسلمين حول العالم، من هذا القرارِ المتهور الذي اعترفَ بموجِبِه الرئيسُ الأمريكي بالقدس الشريف عاصمةً للكيان الصهيوني المحتل، وأعلنَ فيه عزمَ الإدارةِ الأمريكية نقلَ سفارتِها إلى القدس الشريف بعد ستةِ أشهر، والأزهرُ الشريف من هذا المِنبر يجددُ رفضَه القاطعَ لهذه الخُطوة المتهورة، ويحذرُ من خطورةِ الإصرار على التمسك بهذا القرار الباطل الذي تتجلى فيه مظاهرُ الغطرسةِ، والتحيزِ المقيتِ، وتزييفِ التاريخِ، وتصديقِ النبوءاتِ الكاذبةِ، والعبثِ بمصائرِ الشعوبِ ومقدساتِها، ويؤكد الأزهرُ ما سبقَ أن أعلنَه في وثيقتِه حول القدس في 2011م، وفي بياناتِه الأخيرة، أن عروبةَ القدسِ وهُويتَها غيرُ قابلةٍ للتغيير أو العبث، ولا شك أن خُطوةً كهذه من شأنها تأجيجُ مشاعر الغضب لدى جميع المسلمين، وتهديدُ الأمنِ والسِّلمِ الدوليين، وتعزيزُ التوتر والانقسام والاستقطاب في العالم، فضلًا عن أن تلك الممارساتِ الظالمةَ والقراراتِ المنحازةَ تُفقِدُ الشعوبَ الثقةَ في نزاهة المجتمع الدولي، وتغذي رُوحَ الكراهية والانتقام، وتَزيد من حالة الحَنَقِ والإحساس بالتهميش والظلم لدى المسلمين، وتؤكد ما يجول في أذهان كثيرٍ منهم من وقوفِ بعضِ دول الغرب خلفَ هذه الجماعات الإرهابية، واستخدامِها كوسيلة لإضعاف المسلمين من داخلهم، واتخاذِ محاربة الإرهاب ذريعةً للاستيلاء على بلاد المسلمين بزعم حمايتهم وتخليصهم من هذا الإرهاب الأسود، ولا يخفى على أحدٍ أن هذه الأمور يتخذها بعضُ السفهاء مبررًا لاستهدافهم مصالحَ الغربِ داخل بلاده وخارجها، ومسوِّغًا لأعمالهم الخسيسة ضد غير المسلمين في الشرق والغرب على السواء، بدعوى الثأر للمسلمين ودفع الصائل عنهم! وإلى نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله السلام، أرسل رسله بالسلام، وجعل تحية الإسلام السلام، والصلاة والسلام على نبينا الخاتم الذي بعثه ربُّه رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَن سار على نهجه إلى يوم الدين. فضيلةَ الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة العلماءُ الأجلاء أعضاء المنصة الموقرة السيداتُ والسادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فيطيب لي في البداية أن أنقِل إليكم تحياتِ الأزهر الشريف شيخًا وعلماءَ وطلابَ علمٍ، وتمنياتِهم جميعًا لهذا الملتقى الرابع لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بالتوفيق والسداد، وتحقيقِ أهدافه المرجوة. واسمحوا لي أن أُعرب عن امتناني للدعوة الكريمة التي تلقيتها للمشاركة في هذا الملتقى الذي كان القائمون عليه موفقين في اختيار موضوعه ومحاوره؛ خاصةً في هذا التوقيت الذي تتسارع فيه أحداث العالم وتتشابك تأثيراتها عابرةً الحدودَ ومتجاوزةً كلَّ المستويات، وفي ظل تنامي ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، تلك الظاهرةُ العنصريةُ البغيضة التي يتزايد انتشارها في العالم الغربي وتتفاقم خطورتها، خاصةً في تلك المنطقة الجغرافية من العالم التي تتشدق بالحرية الشخصية، وحقوق الإنسان، وسطوة القانون، ورفض التمييز بين البشر على أساس الدين أو العِرق أو اللون. الحضورُ الكريم: إن رسالة الإسلام منذ بَدْءِ نزولها وهي تواجه حربًا شرسة من أجل وَأْدِها والقضاء عليها، وقد مرت الدعوة الإسلامية عبر تاريخها الممتد إلى أكثرَ من أربعةَ عشرَ قرنًا بمراحلَ عصيبةٍ واجهَ فيها المسلمون ألوانًا شتى من الإيذاء والاضطهاد والتنكيل، حتى إن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لم يسلم من ذلك الأذى، فقد ضيَّق سادات مكةَ وكبراؤها على النبي ودعوته، وآذَوْه ومَن آمن معه إيذاء شديدًا، وطَوالَ تلك القرونِ المديدة من عُمر الإسلام لم تخبُ نار الكيد للإسلام والمسلمين، وإن اختلفت الأساليب وتنوعت الأهداف المعلنة، لكن يبقى الهدف واحدًا، وهو ما نراه جليًّا في الشرق والغرب من خلال متابعة أحوال أتباع الإسلام - دون غيرهم مع الأسف - بذرائعَ واهيةٍ لا تسلم أمام النظرة الموضوعية المجردة، والمعرفة الحقيقية بجوهر الإسلام ورسالته، والفهم الدقيق لنصوصه وشريعته، ويبدو أن اجتماع (دار الندوة) الذي كان في السنوات الأولى من عُمر الدعوة الإسلامية ما زال منعقدًا إلى يومنا هذا، وإن اختلف المكانُ وتغيرت شخصياتُ المؤتمرين! وفي إطار الحديث عن ظاهرة كراهية الإسلام أو (الإسلاموفوبيا) كما نسميها اليوم، يَجدرُ بنا الوقوف على عَلاقة المسلم بغير المسلم في الشريعة الإسلامية؛ تلك العلاقةُ التي تبدو جليةً في وثيقة المدينة التي نظَّمتِ العلاقةَ بين المسلمين وغير المسلمين في البلد الواحد؛ وحسبُنا منها ترسيخُها لمبادئ المواطنةِ، والعيشِ المشترك، والمساواةِ في الحقوق والواجبات، وحريةِ العقيدة، فالإسلام يريد من أتباعه أن يكون اعتناقهم له اختيارًا عن قناعةٍ ورضا، يقول الله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»، ويقول سبحانه: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»، ويقول عز وجل: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»، وقد حَثَّ الإسلامُ أتباعه على قَبول السلام والتعايش متى وجدوا إليه سبيلًا، يقول الله تعالى: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ»، ويقول سبحانه: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، كما أقرت شريعةُ الإسلام احتكامَ غيرِ المسلمين في بلاد الإسلام لكتبهم المقدسة في ما يتعلق بأحوالهم الشخصية كالزواج والطلاق والميراث وغيرها، فلا يُلزَمون في مثل هذه الأمور بأحكام شريعة الإسلام إلا إذا أرادوا الاحتكام إليها اختيارًا، وقد خُصَّ أقباطُ مصرِنا الحبيبة بوصية هي في رقابنا إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها؛ حيث قال نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم: «اللهَ اللهَ في أقباط مصر، فإنكم ستَظهرون عليهم فيكونون لكم عدة وعونًا في سبيل الله»، وقال أيضًا: «استوصوا بأهلِ مصرَ خيرًا، فإن لهم ذمة ورَحِمًا». وقد أجمع فقهاء الإسلام العالِمون بأحكام شريعتنا الغراء - ممن يَعيبُهم جهلاءُ عصرنا اليوم - على تحريم كل صور الإيذاء أو الاعتداء على غير المسلمين في بلاد الإسلام، ووجوبِ عقاب المسلم المعتدي كما لو اعتدى على مسلم سواءً بسواء، ولِمَ لا وهم يحفظون قولَ رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم: «مَن آذى ذِميًّا فقد آذاني»، وقولَه: «مَن قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفًا»، وقد رُوي أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل مسلم قَتَلَ معاهدًا غِيلةً، وقال: «أنا أحق مَن وفَّى بذمته»؟! ومن الناحية العملية، فإن موقف النبي – صلى الله عليه وسلم – مع أهل مكةَ يومَ الفتح، يُمثِّلُ أرقى المواقفِ الإنسانية وأَنبلَها في تاريخ البشرية؛ فعلى الرغم من أنهم ناصَبُوه العداء وصبُّوا عليه وعلى مَن آمن معه صنوفًا شتى من العذاب؛ فإنهم ظنوا به خيرًا، وقد كان صلى الله عليه وسلم عِند حُسنِ الظن به وزيادة، فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء. صحيحٌ أن هذا الموقفَ يخالف النواميسَ البشريةَ والحساباتِ المنطقيةَ وخاصةً في زماننا، لكن لا عجبَ أن يكون هذا موقفَه صلى الله عليه وسلم، فهو النبي الخاتم الذي أرسله ربُّه رحمةً للعالمين، بل للثقلين الإنسِ والجنِّ جميعًا. وشواهد التعايش مع الآخر في ظل السلام والاحترام المتبادَل أكثرُ من أن تُحصى في تاريخ الإسلام، ليس في عصر النبوة فقط، ولكن عبر تاريخ إسلامنا الممتد. تلك هي شريعتُنا الإسلامية السمحة، وتلك هي نصوصُ وحيَيْها النقية، وهو ما لا يدعُ مجالًا للشك في براءة الإسلام من ناجمة الشر وبادرة الفساد المتمثلة في شرذمة من أناس قلَّ في الدين فهمُهم، وعَظُمَ في المجتمعات أذاهم؛ فراحوا يَسفكون دماء الأبرياء، ويُروِّعون قلوب الآمنين، وباتوا يعتدون على حرمات الله في الأموال والأعراض، بل وصل الأمرُ بهم إلى أن انتهكوا المقدساتِ التي يدَّعون زورًا وبهتانًا أنهم يدافعون عنها ويعملون من أجلها، واعتبروا مَن يخالف فكرَهم من المسلمين عدوًّا، فكفَّروه واستحلوا دمَه ومالَه وعِرضَه، وما مذبحةُ المصلين بمسجد الروضة بالعريش - التي أسقطت عنهم الورقة التي طالما تستروا بها - منا ببعيدة، فضلًا عن تدليسهم على الناس وتلبيسهم كثيرًا من المفاهيم الإسلامية، محاولين من خلالها الترويجَ لأفكارهم المسمومة، متخذين من استقطاب الشباب في أنحاء العالم وسيلةً لأهدافهم الخبيثة التي لا يقبلها دينٌ، ولا يُقِرُّها عقلٌ، ولا تُسوِّغُها فطرةٌ سوية. السيداتُ والسادة: ليس من العيب أن نعترف أن بعضَ بني جلدتنا انحرفت بهم عقولُهم السقيمة عن فَهم الدين فهمًا صحيحًا، فشوَّهوا إسلامَنا الحنيف في أذهان مَن لا يعرفون جوهرَ رسالتِه السمحة، فضًلا عن رفضِ بعضِ المسلمين الذين يعيشون في الغرب الاندماجَ في مجتمعاتهم، وسيطرةِ التيارات المتشددة على الخطاب الديني في بعض المجتمعات؛ كلُّ هذا وغيرُه أظهر إسلامَنا الحنيف وشريعتَنا السمحة في صورة الدين الذي يرفض الآخر ويُهدر دمَه ومالَه وعِرضَه، وما ذلك إلا فَهمٌ سقيمٌ وانحرافٌ بالدين عن تعاليمه السمحة على يَدِ جماعاتٍ مارقةٍ لا يُمثِّلُ مجموعُ عناصرها رَقْمًا صحيحًا إذا ما قورن بعدد المسلمين الذي ناهز المليارَ ونصفَ المليارِ حول العالم، فضلًا عن أن الدينَ - أيَّ دينٍ - إذا أُخِذَ بجريرة بعض أتباعه الذين اختاروا الغلوَّ والتشددَ فكرًا والعنفَ والتطرفَ مسلكًا، فلن يسلم من ذلك دينٌ من الأديان، بل إن ذلك ينسحب بالضرورة على كل الثقافات والحضارات، والرسالات السماوية من ذلك كلِّه براء، وقد بَيَّنَ ذلك علماءُ الأمة الثقاتُ، والمرجعياتُ الدينية المجردة، والمجامعُ الفقهية المعتبرة، وعلى رأس هؤلاء جميعًا فضيلةُ الإمام الأكبر شيخ الأزهر في أكثرَ من مناسبةٍ داخلَ مِصرَ وخارجَها. ومن ثم، فإننا في الوقت الذي نقف فيه جنبًا إلى جنبٍ مع المؤسسات المعنية في أوطاننا وفي العالم كلِّه من أجلِ القضاءِ على هذه الجماعاتِ المارقةِ، واستئصالِ شأفتِهم، وتخليصِ أوطانِنا والإنسانيةِ جميعًا من شرورِهم؛ فإننا في الوقت نفسِه نحذر الغربَ من اتخاذ ذلك ذريعةً لتدمير بلادِنا، وفَرضِ الوصايةِ على شعوبنا، وتحطيمِ آمالِنا في مستقبلٍ أفضلَ لشبابِنا والأجيالِ القادمة. الحضورُ الكريم: إن الموضوعيةَ والإنصافَ وإلزامَ كُلٍّ بمسئولياتِه، تُحتِّمُ علينا ضرورةَ التأكيدِ على أن ظاهرةَ (الإسلاموفوبيا) ليست ناجمةً عن انحرافاتِ بعضِ أتباع دينِنا فقط، كما أنها ليست وحدَها ما يؤثر سلبًا على السِّلم العالمي، فالغربُ نفسُه مشاركٌ في ذلك بشكل كبير؛ فلم يَعُدْ يخفى على أحدٍ دعمُ بعضِ الأفراد والمؤسسات في بلاد الغرب لهذا الانطباع السائد عن الإسلام والمسلمين، على الرغم من علمهم اليقيني ببراءة الإسلام من أخطاءِ أو خطايا بعضِ أتباعه. ولعل الأخطرَ من هذه الظاهرةِ تهديدًا للأمن والسِّلم في العالم، تلك الممارساتُ الظالمةُ، والتحيزُ المقيتُ، والقراراتُ الحمقاءُ غيرُ المحسوبةِ العواقبِ التي يتخذها المتحكمون في السياساتِ الدوليةِ وصُناعُ القرارِ في العالم ضد المسلمين وقضاياهم، ومن ذلك على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ تقاعسُ المجتمعِ الدولي عن إنهاء مأساةِ مسلمي الروهينجا في بورما، وغَضُّ الطرفِ عما يتعرضون له من قتلٍ وتشريدٍ واضطهادٍ، وتَركُ المحظوظين منهم الذين استطاعوا الفرارَ إلى مدينة كوكس بازار في بنجلاديش ينتظرون مصيرَهم المأساوي المحتوم إما الموتَ جوعًا أو مداهمةَ الأمراضِ الفتاكةِ، كلُّ ذلك يحدث في صمتٍ مَعيبٍ من المجتمع الدولي يُنبئُ عن موتٍ حقيقيٍّ للضمير الإنساني. ومن ذلك أيضًا عدمُ التصدي الحقيقي والجاد للتطرف والإرهاب الذي ضرب - وما زال يضرب - كثيرًا من بلاد العالم، وخاصةً بلادَ المسلمين في منطقتنا المنكوبةِ التي أصبحت مِنطَقةَ صراعٍ على النفوذ، وحقلَ تجارِبَ عسكريةٍ لقوى العالم. ولا أدلَّ على تلك الممارساتِ الظالمةِ والقراراتِ المجحِفةِ بحق المسلمين حول العالم، من هذا القرارِ المتهور الذي اعترفَ بموجِبِه الرئيسُ الأمريكي بالقدس الشريف عاصمةً للكيان الصهيوني المحتل، وأعلنَ فيه عزمَ الإدارةِ الأمريكية نقلَ سفارتِها إلى القدس الشريف بعد ستةِ أشهر، والأزهرُ الشريف من هذا المِنبر يجددُ رفضَه القاطعَ لهذه الخُطوة المتهورة، ويحذرُ من خطورةِ الإصرار على التمسك بهذا القرار الباطل الذي تتجلى فيه مظاهرُ الغطرسةِ، والتحيزِ المقيتِ، وتزييفِ التاريخِ، وتصديقِ النبوءاتِ الكاذبةِ، والعبثِ بمصائرِ الشعوبِ ومقدساتِها، ويؤكد الأزهرُ ما سبقَ أن أعلنَه في وثيقتِه حول القدس في 2011م، وفي بياناتِه الأخيرة، أن عروبةَ القدسِ وهُويتَها غيرُ قابلةٍ للتغيير أو العبث، ولا شك أن خُطوةً كهذه من شأنها تأجيجُ مشاعر الغضب لدى جميع المسلمين، وتهديدُ الأمنِ والسِّلمِ الدوليين، وتعزيزُ التوتر والانقسام والاستقطاب في العالم، فضلًا عن أن تلك الممارساتِ الظالمةَ والقراراتِ المنحازةَ تُفقِدُ الشعوبَ الثقةَ في نزاهة المجتمع الدولي، وتغذي رُوحَ الكراهية والانتقام، وتَزيد من حالة الحَنَقِ والإحساس بالتهميش والظلم لدى المسلمين، وتؤكد ما يجول في أذهان كثيرٍ منهم من وقوفِ بعضِ دول الغرب خلفَ هذه الجماعات الإرهابية، واستخدامِها كوسيلة لإضعاف المسلمين من داخلهم، واتخاذِ محاربة الإرهاب ذريعةً للاستيلاء على بلاد المسلمين بزعم حمايتهم وتخليصهم من هذا الإرهاب الأسود، ولا يخفى على أحدٍ أن هذه الأمور يتخذها بعضُ السفهاء مبررًا لاستهدافهم مصالحَ الغربِ داخل بلاده وخارجها، ومسوِّغًا لأعمالهم الخسيسة ضد غير المسلمين في الشرق والغرب على السواء، بدعوى الثأر للمسلمين ودفع الصائل عنهم! وحيثُ إن هذا الملتقى الموقر قد اختار موضوع (السِّلم العالمي والخوف من الإسلام) عُنوانًا له بهدف علاج تلك الظاهرة التي تؤثر سلبًا على السِّلم العالمي الذي هو بُغيةُ المنتدى وسببُ إنشائه؛ فإن علينا وعلى جميع المعنيين أن يجتهدوا لرصد أسبابها، ثم وضعِ حلولٍ لها بناءً على ذلك. وأرى أن من هذه الحلول بناءً على ما ظهر لي من أسباب: · تأكيدُ حكماء الأديان والمرجعيات الدينية والمجامع الفقهية المعتبرة على أن التعدد الديني في البلد الواحد لا يُعَدُّ مشكلةً متى ما فُهمتِ الأديانُ السماوية فهمًا صحيحًا، والانطلاقُ من المشتركات الإنسانية والبناءُ عليها، وهي كثيرةٌ جدًّا إذا ما قورنت بالمختَلَفِ فيه، والإيمانُ بأنه لا يَضُرُّ علاقاتِ البشر في أمورِ حياتهم اختلافُ عقائدِهم، فشعارُ ديننا الحنيف: «لا إكراهَ في الدين»، و«لكم دينُكم وليَ دين»، ولنا في دولةِ المدينة ووثيقتِها الراقية القدوةُ والنموذجُ الذي ينبغي أن يُحتذى. · التأكيدُ على أن الإسلام يقوم على مبادئَ ثابتةٍ وأُسسٍ واضحةٍ تُقر المواطنةَ والتعايش السلمي وقَبولَ الآخر، وهي مبادئُ ساميةٌ تخدِم الأهدافَ الإنسانية وتحقق المصالحَ البشرية المشتركة، وأهمُّها ترسيخُ الاستقرارِ، واستتبابُ الأمنِ، وتعزيزُ السلمِ، وردعُ العدوانِ، والتصدي للظلم والاضطهاد، شريطةَ أن تكون هذه المبادئ قائمةً على أسسِ الاحترام المتبادَل بين أصحاب الديانات المختلفة والثقافات المتنوعة، بما يَدعم تقدمَ الأوطانِ ورُقيَّها، ويخدِم القضايا الإنسانية العادلة، ويرسخ قيمَ الخير والعدل والمساواة، ولا يؤدي إلى انتهاك حقوقِ الآخر، أو الاعتداءِ على معتقداته، أو إيذاءِ مشاعره، أو الإساءةِ لمقدساته، أو تشويهِ تاريخِه وحقائقِ دينِه. · أن يعترفَ كلُّ طرفٍ بما يخصه من أسباب تنامي تلك الظاهرةِ البغيضة، وأن نواجه الغربَ بما يخصه منها دون مواربة، وأن نعلن في كلِّ مناسبةٍ - وخاصةً تلك التي تكون في بلاد الغرب - أن إسلامَنا - بل الأديانَ جميعًا - براءٌ من ممارسات بعضِ أتباعها، وأن مصلحةَ الغرب تَكمُنُ في العمل على ذوبان هذه الظاهرة وتلاشيها، ودعمِ جهود العالم الإسلامي المتصدية لها، وإفساحِ المجال للمعتدلين من الدعاة لتولي مسئولية الخطاب الدعوي في بلاد الغرب بدلًا من أولئك المتشددين الذين يشوِّهون صورةَ إسلامِنا الحنيف. · أن نُظهِرَ سماحةَ دينِنا في تعامله مع الآخر من خلال نصوصِ شرعِنا، وممارساتِ أسلافنا، وأداءِ مؤسساتِنا الإسلامية الكبرى، وعلى رأسها الأزهرُ الشريف، ومجلسُ حكماء المسلمين، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ورابطةُ العالم الإسلامي، ومنظمةُ التعاون الإسلامي، وهيئاتُ كبارِ العلماء، والمجامعُ الفقهيةُ المعتبرة. · التأكيدُ على ما نادى به الأزهر الشريف في مؤتمره الذي عُقد في مارس 2017م تحت عنوان (الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل) من إقرار (المواطَنة) بديلًا عن (الأقليات)، وسَنِّ التشريعات التي تَكفلُ المساواةَ بين المواطنين - مسلمين وغيرِ مسلمين - في الحقوق والواجبات، لتكون بلادُ العالم الإسلامي نموذجًا للتسامح والعيش المشترك وقبول الآخر. · أن نواصل تعريةَ الجماعات المتطرفة، وفضحَ مموليها وداعميها، وبيانَ ضحالة فكرها وفساد تأويلها، وتفنيدَ ادعاءاتها، وتصحيحَ المفاهيم المغلوطة التي دلستها على الناس وألصقتها بالإسلام ظلمًا وزورًا. · طالبةُ الغربِ - وخاصةً الدولَ الكبرى فيه - بالتخلي عن سياسة الكيل بمكاييلَ متعددةٍ في تعاملهم مع قضايا العالم، وعدمِ التفريق بين ما يخص أتباعَ دينٍ وآخرَ، وتحميلُ المؤسساتِ الدوليةِ والهيئاتِ الأمميةِ مسئولياتِها تُجاه ما يحدث للمسلمين ومقدساتهم حول العالم، وتحذيرُهم من أن إحساسَ المسلمين بالظلم والتهميش والتحيز ضد قضاياهم يُمثِّلُ بيئةً خِصبةً لظهور التطرفِ والإرهابِ الداعمِ والمرسِّخِ لظاهرة (الإسلاموفوبيا) التي لا ضمانةَ لئلا تَنقلِبَ إلى ظاهرةٍ أعمَّ وأخطرَ، وهي ظاهرة (الأديانوفوبيا). وفقكم الله أيها السادة، وسدد خطاكم لتحقيق ما تنشدونه من أهداف نبيلة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته