الخميس 28 مارس 2024 - 09:31 مساءً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

قراءة علمية واقعية في فقه التعديلات الدستورية المقترحة

الاثنين 18 فبراير 2019 01:41:00 مساءً

أحمد السيد تركي ..... خبير الشؤون العربية

يتفق خبراء الدستور والقانون على أن أي دستور يتم وضعه فى حالة عدم استقرار يحتاج إلى إعادة نظر بعد استقرار الدولة، وثمة دساتير مهما كانت واضحة ودقيقة بالنسبة لمن وضعوها فإنها تتعرض للتعديل لأهداف ودوافع متعددة تتلاءم مع ظروف الدولة والتحديات التي تواجهها، ومقتضيات ديمومة برنامج الدولة في التنمية والبناء. وتشير السوابق التاريخية إلى أن تعديل الدستور هو ممارسة مصرية عرفها النظام السياسي عبر تاريخه في العصر الملكي والجمهوري من عبدالناصر والسادات ومبارك، وبالتالي فإن الطرح الحالي بإجراء بعض التعديلات الدستورية هو أمر تقضيه المصلحة العليا للدولة المصرية وأمنها القومي، وإتمام مشروعاتها التنموية، والقضاء على الإرهاب وتحقيق الاستقرار. مبررات علمية واقعية وفي هذا السياق تطرح دراسة أكاديمية متخصصة بعنوان( دور الجهاز المركزي للمحاسبات في تفعيل الأداء الحكومي والبرلماني ... دراسة مقارنة بين النظام المصري والفرنسي والألماني والإنجليزي)، أعدها الباحث السيد عبد الملك تركي لنيل درجة الدكتوراه بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وأشرف على مناقشتها الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب، تطرح مجموعة من المبررات لإجراء التعديلات الدستورية والتي منها تجديد مدد الرئاسة وهي وفقاً للدراسة تتمثل في المبررات التالية. أولاً: الحد من التبديد السياسي والمالي والإداري الذي تسببه الانتخابات الرئاسية المتكررة، والمقصود بالتبديد السياسي، هو إضاعة مجهود المؤسسات الدستورية أو غيرها من المؤسسات، المنوط بها أداء أعمال ذات طبيعة سياسية، وذلك دون عائد، أو بذلها مجهود بعائد لا يتناسب مع التكلفة السياسية والمالية للأداء السياسي المنجز. كما أن الانتخاب الرئاسي المتكرر (قصير المدة 4 سنوات) من شأنه أن يحدث نوعاً من التبديد السياسي والمالي والإداري؛ لأنه يعرقل البرامج المالية و الاقتصادية للدولة. ثانياً: الظروف التي تمر بها الدولة المصرية: سواء على المستوى الداخلي، حيث تخوض الدولة حربا ضروسا في سيناء ضد معاقل الجماعات الإرهابية، الأمر الذي أدى لسقوط ضحايا من الجانبين تجاوز الآلاف. وعلى المستوى الإقليمي، تتعرض المنطقة لحالة من الغليان وعدم الاستقرار غير مسبوقة، مما يلقي بظلاله على الأمن الإقليمي. ثالثاً: أن ما تقوم به الدولة المصرية من تعديلات دستورية ليس خروجاً على التقاليد والأعراف الدستورية والتشريعية على المستوي العالمي، وإنما ثمة ظروف تاريخية مماثلة لبعض الدول فرضت تعظيم اختصاصات الرئيس، فقد نبه بعض الفقه الفرنسي إلى عدم ملاءمة تبني النظام البرلماني للدول السائرة في طريق النمو، حيث يوضح أن النظام البرلماني يقوم على فرضية المساواة بين الحكومة والمعارضة، وهو ما لا يتحقق بالنسبة لهذا النوع من الدول. ولذا، يكون الاتجاه صوب تعظيم الثقل المؤسسي لرئيس الدولة أمراً منطقياً. أما التعديل الثاني المقترح وهو إنشاء مجلس الشيوخ، فقد طرحت الدراسة الأكاديمية عدة مبررات للعودة لنظام المجلسين، مثلما هو معمول به في الأنظمة السياسية العالمية، فالمتتبع للنظام السياسي في كل من فرنسا، وألمانيا، وإنجلترا يجد أنه يتم الأخذ بنظام المجلسين وذلك لعدة اعتبارات: أولاً: لكونه يسهم في توسيع نطاق المشاركة الشعبية، وتفعيل أداء مجلس النواب، وكذلك إحداث توازن في أداء مجلس النواب، ليس فقط فيما بينه وبين السلطة التنفيذية، وإنما داخل مجلس النواب فلا يكون عرضه للوقوع في مغبة التعسف أو الانحراف البرلماني. ثانياً: أن الوضع الدستوري للجهاز المركزي للمحاسبات – وفقاً للأطروحة العلمية التي قدمها الباحث - يتطلب قيامه بإعداد تقارير عن آفاق المالية، وتقرير سنوي عن الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة، وتقرير سنوي عمومي بأهم نتائج رقابته على جميع الجهات الخاضعة لرقابته، وقيامه بتقويم السياسات العامة، وتقويم تقييمات أثر تطبيقات التشريعات. أي أن ذلك يعني ضرورة إحداث نهضة رقابية كبرى - عبر السلطة الرقابية (المقترحة) - لزوم حسن القيام بالأعباء الثقيلة التي يفرضها البناء الديمقراطي الأمثل لمصر. وهذه النهضة الرقابية تستتبع – بالتالي- قيام البرلمان بمسئوليات جديدة، وبالأحرى، فريدة تتناغم مع تلك المهام الجسام المأمول إسنادها إلى ذلك الجهاز. ثالثاً: أن التطوير المنشود – وفق الأطروحة الأكاديمية- يستلزم الانتقال من أسلوب الموازنة التقليدية إلى موازنة البرامج والأداء أو بالأحرى إلى موازنة التخطيط والبرمجة، والذي يتطلب توزيع اعتمادات الموازنة استناداً إلى البرامج والأنشطة، وهو ما يعني أن نهوض البرلمان بالرقابة على مشروع الموازنة أو على تنفيذها، يقتضي منه تقويم أداء هذه البرامج والأنشطة، وذلك عبر تلقي مشورة الجهاز المركزي للمحاسبات، وصولاً إلى تحسين مستوى إدارة هذه الاعتمادات، ومن ثم الحد من عجز الموازنة. ولا شك أن كل ذلك يقتضي – حتماً - تدعيم السلطة التشريعية لتصبح على مستوى تحمل مسئولية النهوض بهذه الأعباء الجسام.، وقد ذهب كلٌ من أفلاطون وأرسطو إلى أن المعرفة والعلم يُعدان من الركائز الأساسية التي يجب أن تتوافر في الأفراد الذين يشغلون المناصب السياسية. تفنيد معوقات الديمقراطية كما فندت الدراسة العلمية التي قدمها الباحث، مقولات أن فكرة التعديلات الدستورية بشكل عام، تعيق التطور الديمقراطي، حيث قدمت الدراسة تصنيفات عدة للديمقراطية والعيوب التي شابتها في عدة نظم سياسية دولية، وأكدت أن فكرة الديمقراطية قد لا تكون مناسبة لطبيعة المرحلة السياسية التي تمر بها الدولة. أشارت الدراسة إلى أن النظرية الديمقراطية – التي يروجها الغرب - مشوبة بعيوب عديدة؛ بل إن نماذجها المطبقة في الدول الغربية غير متطابقة مع بعضها، بل مختلفة بحسب تاريخ وتقاليد وثقافة شعب كل دولة. فهناك ديمقراطية أمريكية (نظام رئاسي) لا تتطابق مع الأنظمة الرئاسية في أمريكا اللاتينية. وديمقراطية إنجليزية (نظام برلماني) لا تتطابق مع الديمقراطية الألمانية ذات النظام البرلماني. وديمقراطية فرنسية (نظام "رئاسي برلماني") لا تتطابق معها الأنظمة "الرئاسية البرلمانية". وكل هذه النماذج بها متناقضات. أي أن الديمقراطية ليست "نموذجًا واحدًا" يُطبق على كل الدول، وبالتالي فإذا كانت الديمقراطية لدولة غربية ما لا تصلح للتطبيق في دولة غربية أخرى، فهي بالتالي لا تصلح للتطبيق – بحالتها هذه – في منطقتنا العربية، وأن نظام الحكم في منطقتنا العربية بتقاليده الراسخة هو الضمانة الأساسية لتماسك الجبهة الداخلية، ونبذ الفرقة بين أفراد الشعب، وهو الضمانة – كذلك - لتحقيق التنمية المستدامة في الدولة على كافة المسارات. وانتهت الدراسة إلى أنه إذا كانت النظرية الديمقراطية تبدو مقبولةً علي نطاق واسع، فإن ذلك ليس لكونها "الوسيلة الأكثر كفاءة" لتنظيم شئون الحكم، وإنما – بالأحرى - لكونها "الوسيلة الأقل سوءاً"، وبالتالي، فإن ترميم الديمقراطية - كوسيلة لتنظيم الحكم - يعد مطلباً أكثر إلحاحاً. كما كشفت الدراسة عن وجود ارتباط تاريخي وثيق بين نشأة النظام النيابي في إنجلترا وفرنسا وألمانيا وبين إساءة استخدام الأموال العامة. ذلك أن المسائل المالية تُعد العامل الأساسي لظهور النظام النيابي، إذ كانت الاختصاص الأول الذي انعقدت البرلمانات لممارسته، وأن الرغبة الشعبية الجادة في تحقيق حُسن إدارة الأموال العامة، والتي قادت الشعب لمواجهة الملوك لمنعهم من إساءة استخدامها، كانت هي حجر الزاوية لنشأة النظام النيابي، كما أن إنشاء ديوان المحاسبة قد جاء لتعزيز رقابة البرلمان على استخدام هذه الأموال. بمعنى أن الديمقراطية تسعى لتحقيق (دولة القانون)، التي يسود فيها الحق والعدل، وبالتالي؛ فإن أية وسيلة أخرى يمكن استخدامها لتحقيق قيم (الحق والعدل)، تكون أولى بالاتباع طالما أنها (خالية من عيوب الديمقراطية) النظرية الديمقراطية. أوردت الدراسة دلائل ونماذج تؤكد الخلل في الديمقراطية: أولها، أن الديمقراطية الأمريكية تعاني من إيجاد النخبوية الإقصائية، وعدم المساواة الاجتماعية، والاستبعاد السياسي، فرغم اتفاق بعض علماء السياسة المقارنة على أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد من أكثر النظم السياسية التعددية، لم تفلح آليات النظام السياسي الأمريكي المطبقة في القضاء على الإشكاليات المتوطنة في النظرية الديمقراطية. فلقد صرح برنارد كريك Bernard Crick بأن الديمقراطية الحديثة تعاني قصورًا شديدًا، حيث لا تقدم للناخبين خيارات مجدية، وأعرب Anne Saadah عن أساه لخيبة الأمل من الديمقراطية. وأعلن ستيفن ماكيدو Stephen Macedo أن السياسة في الولايات الأمريكية ليست تداولية كما ينبغي أن يكون. بل لقد أفصح العديد من علماء السياسة أمثال راسل دالتون Russell Dalton, وبيبا نوريس Pippa Norris عن عدم رضاهم بالسياسة والممارسة الديمقراطية الأمريكية اللتين تمخض عنهما إيجاد النخبوية الإقصائية، وعدم المساواة الاجتماعية، والاستبعاد السياسي. ونتيجة للحالة التي وصلت إليها الديمقراطية وفقاً للنموذج الأمريكي، يقول كل من وليام آر نيلين و لورانس سي دود: «وبالنسبة للغالبية العظمى من الأميركيين غير النخبة، تمثل السياسة، ببساطة شديدة، ما يقوم به الأثرياء والواصلون، وليس ما يقوم به الشعب». لهذا ولغيره من الأسباب الأخرى صرح ستيفين بيلاكوفيكس Steven Bilakovics بشجب النموذج الديمقراطي الأمريكي . ثاني الدلائل التي تطرحها الدراسة : أن الديمقراطية تتجاهل قيم العدالة: حيث ذهب كل من وليام آر نيلين William R. Nylen و لورانس سي دود Lawrence C. Dodd إلى أن القاسم المشترك بين المبدأ الديمقراطي والمبدأ الرأسمالي يتجسد في تجاهل قيمة العدالة الاجتماعية. وشجب أحد خبراء القانون الإنجليزي عجز النموذج الديمقراطي الإنجليزي عن تحقيق العدالة، حيث يقول: "ديمقراطيتنا تحتوي على أوجه عدم المساواة الهيكلية، على سبيل المثال: عدم المساواة في الثروة والسلطة الاجتماعية والاقتصادية، والوصول إلى المعرفة، والمكانة... هذه التفاوتات الهيكلية غير عادلة إلى حد أنها تساعد على خلق وإدامة الظروف المؤسسية التي تدعم الهيمنة وتمنع التنمية الذاتية". أما ثالث الدلائل، وهو غياب المشاركة الحقيقية مما يعني تزييف الإرادة العامة: فقد شن بنجامين بارير Benjamin Barber هجوماً مريراً على الديمقراطية الليبرالية الحالية؛ وذلك بسبب افتقارها إلى الضمانات التي تكفل المشاركة الحقيقية. ووفقاً لبارير، يتم تزييف هذه الإرادة عبر تمويل الحملات الانتخابية بشكل يتنافى مع المعايير النافذة، سيما وأن الكونجرس قد فشل مراراً في وضع قيود حاسمة في هذا الخصوص، كما أن التشغيل العملي لها يعيق الأداء الاقتصادي في الدولة. وأعلن ستوكر Stoker أنه لوحظ انخفاض نسبة الإقبال على التصويت في العديد من الديمقراطيات الغربية في العقود الأخيرة، وأن الجمهور قد أصبح ساخطاً عليها. وربما ساهم في هذا الوضع أن «الجانب التشاركي النشط من الديمقراطية قد تحول (بفعل العلم والواقعية) إلى شأن من شئون النخب والخبراء القادرين على إدارة الرأي العام لخدمة الديمقراطية». وتخلص الدراسة إلى أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية، وأن المبدأ الديمقراطي ليس مجرد وسيلة لتحقيق غايات فردية، بل المفترض أنه معني في المقام الأول بالإجابة على هذا السؤال الكبير: كيف يحكم المجتمع نفسه؟ كما أن الديمقراطية تُعد سمة للنظام السياسي أكثر منها كائناً في حد ذاته، وعليه يجب تحسين هذه السمة، أو حتى استبدالها إن لزم الأمر؛ وذلك بهدف تحسين مستويات النشاط السياسي والإداري للدولة، وتعزيز المساءلة القانونية والسياسية.