الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 07:46 مساءً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

تراثنا .. المفترى عليه

الثلاثاء 18 فبراير 2020 01:41:00 مساءً

بقلم: الكاتب و المفكر مؤمن الهبـاء

بعيدا عن التعريفات المعجمية والأكاديمية فإن مفهومنا للتراث يعنى كل ما وصل إلينا من ميراث أجدادنا المعنوى والمادى ، وينقسم التراث المعنوى فى بيئتنا الإسلامية إلى قسمين كبيرين : قسم دينى مقدس لايجوز المساس به ، وهو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وقسم آخر بشرى يؤخذ منه ويرد عليه ، وهو الإنتاج العلمى والفكرى والثقافى الهائل لأفذاذ أمتنا فى كل فروع الإبداع العقلى ، أما التراث المادى فيشمل الأبنية والسلوكيات والأمجاد والاختراعات التى ساهمت بها أمتنا فى مسيرة الحضارة الإنسانية على مر التاريخ .
وقد شبه كثيرون التراث بالشجرة ، كلما كانت جذورها ضاربة فى العمق ، وممتدة فى الأرض وراسخة ومتشعبة ، كانت فروعها فى السماء أكثر نضارة ونموا وقدرة على التجدد باستمرار لمواجهة تقلبات الزمن ، والأمم الناهضة لا تجتث جذور شجرتها وإنما تعمل على إحياء تراثها المندثر ، وقد تدعى لنفسها تراثا ليس لها حتى تثبت أنها أمة عريقة أصيلة لها تاريخ ، والأمثلة كثيرة حولنا ، هناك من يحيى لغة مندثرة ، ويبحث عن هيكل مزعوم تحت الأرض ، ويزعم أنه صاحب الدشداشة والدبكة والفلافل ، وأن أجداده ـ ويا للفجر ـ من بنوا الأهرامات .
ونحن نولى اهتماما كبيرا لتراثنا الفرعونى منذ اكتشافه وفك رموزه ، ونحتفى بكل نص أو بنيان أو تمثال ينتمى لهذا التراث ، ونحتفى بعبقريته أيما احتفاء رغم ما فيه من أساطير وخيالات ، ورغم أن تأثيره فى حياتنا يكاد يكون منعدما ، والنادر الممتد منه ضئيل وخافت ، ونقوم على الاعتناء به وحمايته ليظل كما هو ، وننفق فى سبيل ذلك أموالا طائلة ، لكننا ابتلينا بقوم لا يريدون معاملة التراث العربى والإسلامى نفس المعاملة ، بل يسعون إلى هدمه وتشويهه وتجريسه وإقصائه ، رغم أن هذا التراث هو ما يشكل شخصيتنا الوطنية والقومية ، ويؤثر مباشرة فى أنماط حياتنا ، بل هو ما يعطينا هويتنا وخصوصيتنا بين الأمم .
لم يدع أشد المدافعين عن التراث قداسة لما هو غير مقدس فيه ، أى لما هو خارج دائرة القرآن الكريم والسنة المطهرة ، أما ما وراء ذلك فتراث ضخم ترسخ على مدار قرون طويلة ، ويمتد حتى لما قبل البعثة المحمدية ، وفى كتاب " تاريخ العرب قبل الإسلام " لجواد على ما يؤكد ذلك ، لكن الجدل الدائر حاليا يثير تساؤلا كبيرا بشأن كيفية التصرف مع هذا التراث الذى جعلوا منه مشكلة ، بدلا من أن يكون عنصرا فاعلا فى حل المشاكل .
البعض يدعو لـ " تجاوز التراث " ، والبعض يطالب بتنقية التراث ، وآخرون يروجون لتجديد التراث وتطويره ، وأنا لا أعرف كيف يكون التراث تراثا إذا دخلت عليه يد التجديد والتطوير ، إنها يقينا ستكون يد تشويه وإفساد ، كمن يشوه تمثال نفرتيتى بطلاء حديث ، أو يكتب عبارة بلغات اليوم على جدران معبد فرعونى ، التراث يجب أن يظل تراثا مصانا كما هو ، حتى ولو كان كتاب " رجوع الشيخ إلى صباه " ، أو كتب تفسير الأحلام وألف ليلة وليلة ، لكننا لسنا ملزمين باستدعاء كل ما فى هذا التراث وتنفيذه ، وإنما نستدعى منه ما يناسب عصرنا , ويساهم فى نهضتنا وتطوير حياتنا للأفضل .
وحتى فى الجانب المقدس من التراث " القرآن والسنة " أنت لست مجبرا على شيء منه ، إذا قبلته فأنت مؤمن به بحريتك ، وإذا رفضته فأننت كافر به بحريتك أيضا ، والذى أعطاك هذه الحرية هو صاحبه ، الله جل شأنه الذى قال " فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر " ، لكن المرفوض هو أن تعبث بهذا المقدس وتشوهه ، أو تستنطقه بما لم ينطقه لغرض فى نفسك .
وإذا كان هذا هو شأن الحرية فى الجانب المقدس ، فما بالك بمساحة الحرية المكفولة فى التعامل مع الجانب غير المقدس ، فى الأخذ منه أو تركه ، لكن مع ذلك يظل المرفوض هو أن تعبث بهذا التراث وتشوهه بدعوى التجديد والتطوير ، فلنترك التراث تراثا .
أما الذين يدعون إلى " تجاوز التراث " تماما و التخلص منه ، أو إسقاطه والقفز عليه ، فهؤلاء يعملون ـ بوعى أو بغير وعى ـ على اجتثاث شجرة الأمة من فوق الأرض ، وتقطيع جذورها ، فتصير أمة معلقة فى الهواء مالها من قرار .
والدفاع عن التراث لا يعنى الدعوة للعيش فى الماضى ، أو أن نكون أسرى لهذا الماضى ، وإنما أن تكون لدينا قواعد فى منظومة القيم والإدراك ومحفزات السلوك الحضارى مستلهمة من هذا التراث ، وأن تكون لنا ثوابت ندافع عنها فى الحاضر ورؤية وطموح للمستقبل ، وكثيرا ما أمدنا التراث بطاقات هائلة للثبات والصمود والثقة بالنفس فى مواجهة الأزمات والنكسات التى منيت بها بلادنا حتى كتب الله لنا النصر ، فنحن إذن من نختار من هذا التراث ما نحتاج إليه ليكون عونا لنا فى معركة الحاضر والمستقبل .
وأخشى ما نخشاه أن يكون الجدل المثار حاليا حول التراث مجرد محاولة للهروب من قضايا الحاضر إلى قضايا الماضى ، محاولة للإلهاء عن المخاطر التى تحيط بنا من كل جانب ، وعن الأعداء الذين يهينون كرامتنا ويستبيحون مقدساتنا ويقضمون أرضنا قطعة قطعة .
للحديث بقية