الجمعة 29 مارس 2024 - 12:46 مساءً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

الضرورات فى زمن الكورونا

الأحد 05 أبريل 2020 11:06:00 مساءً

بقلم: الكاتب والمفكر مؤمن الهبـاء
 
فى ظل التغييرات الهائلة التى أحدثها وباء الكورونا فى حياتنا صارت نظرتنا تجاه الأشياء التى حولنا والتى اعتدنا عليها تتغير، وكذلك مشاعرنا تجاه الكلمات والتحيات التى نستقبلها من أصدقائنا ومحبينا صارت تتغير، أصبح لهذه الكلمات والتحيات معانى أعمق من المعانى التى ربما من كثرة ترديدها لم نكن نتوقف عندها، ولم تكن تؤثر فينا .
الحياة بكل مفرداتها وتفاصيلها صار لها طعم مختلف فى زمن الكورونا، وأكثر شيء تغير هو نحن، نظرتنا وفهمنا وأحاسيسنا وعاداتنا وتوقعاتنا وردود أفعالنا، وهذا فى تصورى أمر طبيعى بمقتضى أننا بشر ، ومن لم يصبه هذا التغيير فليراجع نفسه ، وليعالج قلبه .
نظرتنا للطبيب وللممرضة وللمستشفى تغيرت، ونظرتنا لعلبة الدواء وما وراءها من جيش الباحثين تغيرت، وكذلك نظرتنا للتعليم ومراكز البحث العلمى وأهميتها فى حياتنا، وهى أهمية يجب أن تسبق فى قائمة الأولويات مهرجانات الترفيه واللهو وكرة القدم، بل أحيانا يجب أن يكون التركيز عليها سابقا على أماكن العبادة، فصحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان، وقد جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا ، لكن معاهد التعليم ومراكز البحث العلمى لا تكون فى الخلاء، والدرس الذى ينبغى أن يظل فى عقولنا بعد انكشاف الغمة هو ضرورة احترام العلم وتطوير التعليم لا التهوين منه والخصم من قيمته .
أيضا نظرتنا تجاه إخواننا الفقراء الذين أقعدهم الوباء عن كسب عيشهم تغيرت، صرنا أكثر إنسانية ونحن نفكر فى هؤلاء الذين لا يجدون قوت يومهم، ماذا يفعلون فى هذا الوقت العصيب ؟! ، كان يجب أن يكون لدينا النظام الذى يكفل لهم سبل الحياة الكريمة فى مثل هذه الظروف، لكن لا بأس، أن نفكر فيهم متأخرين أفضل مما نتجاهلهم على طول الخط، وربما يكون الوقت قد حان فعلا لأن نرد لهؤلاء حقهم المعلوم فى مال الأغنياء الذين يزدادون غنى فى السراء والضراء، بما يضمن سد احتياجاتهم الحياتية الأساسية ( المأكل والمشرب والمسكن والتعليم والصحة ) .
وكذلك تغيرت نظرتنا تجاه كل من تفرض عليه طبيعة عمله أن يخرج للشارع ليلا أو نهارا لخدمة مواطنيه، عمال النظافة وسائقى المواصلات العامة والعاملين فى المصالح الحكومية والخدمية والمحلات والجزارين وبائعى الخضار، هؤلاء جميعا وغيرهم هم أعمدة حياتنا ، وربما استشعر هؤلاء فى زمن الكورونا أنهم فى حاجة إلينا كحاجتنا إليهم، ولذا يجب أن تكون علاقتنا معا أكثر مودة ورحمة .
من الضرورى أن ننتبه إلى أننا خسرنا كثيرا بسبب غلظتنا وتوحشنا وجشعنا وأنانيتا فى التعامل مع بعضنا البعض، وحان الوقت لنكون أكثر إنسانية، ولنجعل الدين الذى نتشدق به هو الضابط لمعاملاتنا، فلا يبغى بعضنا على بعض، ولا يأكل القوى فينا الضعيف، ونمتثل لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا " .
مشاعرنا هى الأخرى تغيرت، صارت أكثر حساسية، تنفطر قلوبنا لمنظر المساجد المغلقة المظلمة، ومنظرالحرمين الشريفين الفارغين من الطائفين والعاكفين والركع السجود، يبكينا صوت المؤذن وهو يقول صلوا فى بيوتكم، نشعر أننا غرباء فى هذه البيوت حين ينادى لصلاة الجمعة، نعرف أنه حكم شرعى واجب الاتباع، لكن شوقنا للمساجد يغلبنا، عبارة " ابق فى بيتك " صارت كلمة السر التى نتبادلها مع أبنائنا، نتلهف على مكالمات الأحبة لمجرد الاطمئنان، نحمد الله أننا مازلنا على قيد الحياة، سبحانك ياربى، كل هذه النعم كنا نتمتع بدوامها علينا دون أن نتوقف أمامها، لكننا الآن نعدها فلا نحصيها.
وحتى آيات القرآن الكريم صار استقبالنا لها مختلفا فى زمن الكورونا، نشعر كأنما تتنزل من جديد بمعانى أعمق وتأثير أشد فى النفوس، ربما لأن مشاعرنا صارت مرهفة أكثر ونحن مدركون أن الموت يحيط بنا من كل جانب، لقد جعلنا الوباء نصلى صلاة مودع حقا، ونفكر فى الآيات بشكل مختلف، ونفهم من النص القرآنى أبعادا أوسع مما كنا نفهم من قبل .
انظر إلى حال البشرية اليوم ، ثم تأمل هذه الآية العجيبة فى قول الله تعالى: " فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون " ، كأن الآية الكريمة تصرخ بالتحذير من تبديل كلام الله الذى جاء يأمر بالعدل والإحسان، فالتبديل وشيوع الظلم والضلال هو عين الفسق الذى يأخذ الناس إلى الهلاك، ويكون سببا فى تنزل الرجز من السماء ، لكن الآية على الجانب الآخر تحمل سحائب الرحمة والنجاة ، وترسم خارطة طريق لتجنب هذا الهلاك وفق قاعدة "وبضدها تتميز الأشياء "، وذلك بالتزام كلام الله وعدم تبديله، والتزام العدل وتجنب الظلم .
وهذه آية أخرى يقول فيها عز وجل: " هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب "، فهل يمكن أن يكون البلاغ المنذر هو ذلك الفيروس الدقيق الذى أصاب كوكبنا دون تمييز بين الفقراء والأغنياء، أو بين المتخلفين والمتقدمين، ليقول للمستكبرين فى الأرض أنه مهما بلغت قوتكم يجب أن تتذكروا أنكم أضعف وأعجز عن أن تملكوا من أمركم شيئا ، فلا عاصم اليوم من أمر الله .
هل يمكن أن ينصلح حال البشرية وتعود لرشدها ولربها بعد انقشاع غمة الكورونا، أم يصدق فيها قول ربنا جل شأنه:" وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون " .
اللهم ردنا إليك مردا جميلا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .