الخميس 28 مارس 2024 - 04:34 مساءً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

ثورة يوليو.. من أين أتت؟

الأحد 24 يوليو 2022 09:45:00 مساءً

ثورة يوليو.. من أين أتت؟
"هل أنجب النظام المَلَكي نظام ثورة يوليو؟
دكتور شريف يونس
في كل مناسبة لثورة يوليو، أو لميلاد أو وفاة عبد الناصر، أو لهزيمة يونيه، يدور النزاع الأيديولوجي في مصر بين أنصار يبررون كل شيء وأعداء يدينون كل شيء. السؤال الذي يطرحه هذا المقال هو: هل كان العهدان متناقضان بالفعل بشكل مطلق بلا رابط بينهما؟ هل جاء الضباط الأحرار من فراغ؟ وهل أتى ما أجروه من جراحات سياسية واجتماعية من تصوراتهم الخاصة أو أهوائهم؟ أم كانت الفترة السابقة هي التي وضعت للناصرية برنامجها؟ فسواء كانت ثورة يوليو خيرا مطلقا أو شرا مبينا أو بين بين، هل هي هبطت على البلاد من السماء خارج سياق تاريخنا المصري الحديث؟
ثورة أم انقلاب؟
يبدأ النزاع من المصطلح، هل أتى نظام يوليو بثورة أم بانقلاب؟ يبدو أن الالتباس أتى من الحدث نفسه. فقبل بزوغ نهار 23 يوليو 1952 وقع انقلاب عسكري والناس نيام، لكن السلطة التي أتت بعد الانقلاب سرعان ما أجرت جراحات واسعة في النظام السياسي وفي المجتمع المصري. فبعد ثلاثة أيام تخلصت من آخر ملوك أسرة محمد علي التي حكمت البلاد لقرن ونصف قرن، ثم أسقطت لاحقا النظام المَلَكي وأعلنت الجمهورية. وبعد شهر ونصف تقريبا ألغت الأحزاب التي قادت البلاد لثلاثين عاما، بما فيها حزب الوفد قائد الحركة الوطنية المصرية العتيد، لتدشن حكما سلطويا بقيادة "السراي الجمهورية" إن جاز التعبير. وفي اليوم نفسه خفضت السلطة الجديدة الحد الأقصى للملكية الزراعية إلى مائتي فدان للفرد ومائة أخرى للأبناء القُصر، وقبل وفاة عبد الناصر كان هذا الحد الأقصى قد انخفض إلى خمسين فدانا للفرد، فقضت بذلك على الطبقة السياسية والاجتماعية الحاكمة التي وُلِدت قبل ذلك بأقل من قرن في إطار عملية إدماج مصر في العالم الحديث. وفي عام 1957 أممت الدولة المصالح البريطانية والفرنسية في مصر التي كانت تشكل القطاع القائد في الصناعة والتجارة، وبعد أربع سنوات أممت الشركات الكبرى والبنوك، وبعض الشركات المتوسطة، لتخلق القطاع العام وتنحي القطاع الخاص (الذي ظل كبيرا ويشكل الأغلبية) لينحصر في القطاعات الأقل تقدما تكنولوجيا، فضلا عن السيطرة على التجارة الخارجية.
يمكن القول إذن بأن نظام يوليو 1952 كان نوعا من انقلاب ثوري. لكنه كان في الوقت نفسه ثورة انقلابية، لكنها في كل الأحوال لم تأت من فراغ، فكثير من منطلقات وأعمال نظام يوليو بُني على أفكار ثورية وحركات ومطالب سياسية كانت مطروحة في العهد المَلَكي، لم يبتدعها الضباط الأحرار ولا أتوا بها معهم من ثكناتهم، بل كانت تجليا من تجليات الصراع الاجتماعي والسياسي في المجتمع المصري، الذي وصل إلى ذروته في الفترة من 1945 إلى 1952.
متناقضات نظام دستور 1923
في 1919 حدثت أهم ثورة (في تقديري) في تاريخ مصر الحديث، ثورة شاركت فيها معظم طبقات أو فئات المجتمع المصري، تحت شعار الوطنية (الاستقلال التام)، لتتوج بذلك عملية تحول مصر عبر قرن واحد من ولاية عثمانية يقبل معظم سكان البلاد وضعها كولاية في بداية القرن التاسع عشر، إلى كينونة أو هوية مستقلة قائمة على الفكرة الوطنية في عيون سكانها الأصلاء. ومع ذلك، سرعان ما ظهرت المتناقضات السياسية بين فكرة الحكم المَلَكي المستبد، وتمثله السراي المَلَكية، وحكم الأعيان مع الملك، ممثلة في قوى أحزاب الأقلية آنذاك (وأهمها حزب الأحرار الدستوريين)، وحكم الشعب، وبالأدق تحالف الأعيان مع المتعلمين والعمال، ويمثلها حزب الوفد.
فإذا بحثنا فيما حدث بالفعل على المستوى السياسي من وقت ثورة 1919 حتى سقوط النظام بأكمله في يوليو 1952 سنجد أن جميع هذه المشروعات السياسية المتناقضة مورست دون أن يستطيع أحدها أن يتغلب على الباقين ليحدد الهوية السياسية للبلاد. حَكَم الوفد (وحده أو في وزارات ائتلافية) حوالي 8 سنوات من 28 سنة، وكان الباقي من نصيب القصر المَلَكي، سواء بالتحالف مع أحزاب الأعيان، أو بالاستعانة بشخصيات مستقلة وتنحية هذه الأحزاب جانبا. وهكذا ظل النظام محل نزاع عميق بين ثلاثة مشاريع سياسية حتى سقوطه.
في عام 1935 تحالف الوفد مع أحزاب الأقلية والملك لإجراء مفاوضات حاسمة مع الإنجليز بهدف أن تحصل مصر على أكبر قدر من الاستقلال، فكانت معاهدة 1936 التي سحبت بريطانيا بموجبها قواتها إلى قاعدة قناة السويس، وسحبت ادعاءاتها بحماية الأقليات والأجانب، التي استُعمِلت كذريعة للتدخل في الشئون الداخلية لمصر، واستُكمِل ذلك بعقد معاهدة مونترو الدولية (بمساعدة بريطانيا) في العام التالي لإلغاء الامتيازات الأجنبية الموروثة من العصر العثماني، التي كانت تعطي الأوربيين وضعا ممتازا في البلاد وتُخرجهم من هيمنة النظام القانوني المصري.
كانت هذه المعاهدة محصلة القوى السياسية الثلاثة المتعارضة المذكورة سابقا، فيما يتعلق بالقضية الوطنية. لكن بعقد هذه المعاهدة تحررت السراي المَلَكية جزئيا من ضغط الوفد ممثل الشعب المصري، بحيث لم يصل إلى الحكم في الفترة من نهاية 1937 إلى 1952 إلا لمدة أربع سنوات، لتشهد هذه الفترة تغلغل سلطة السراي في معظم مؤسسات الدولة (فضلا عن سيطرتها شبه المنفردة على الأزهر والجيش والخارجية)، في إرهاص مبكر للحكم السلطوي كحل من الحلول المطروحة للأزمة السياسية الممتدة منذ ثورة 1919.
الحركة الوطنية الجديدة
لكن ثورة 1952 لم تكن انقلابا مَلَكيا كما نعرف، بل كان أول ما أنجزته هو التخلص من الملك فاروق، فكيف أصبحت فكرة الحكم السلطوي ثورة على السراي المَلَكية نفسها؟
شهد عام 1935 بوادر التمرد على النظام الحزبي، فقد ظهرت وقتها حركة شبابية متبرمة من خلافات الأحزاب بشأن التفاوض مع الإنجليز، فدعت الأحزاب المختلفة إلى الاتحاد لحل القضية الوطنية معا، بما يعني ضمنيا تجاوز فكرة الصراع الحزبي وفكرة انفراد الوفد بتمثيل الشعب المصري. وبعد عقد المعاهدة أخذت تتزايد علامات تفكك التحالف الاجتماعي الواسع الذي تشكل حول الوفد، إلى أن شارف النظام على الانهيار بحريق القاهرة في يناير 1952. محور هذا التفكك هو تبني قطاعات متزايدة من الأفندية المصريين (أي المتعلمين) لطبعات مختلفة من فكرة سلطوية عن الوطنية ترى أن تحقيق الأماني الوطنية في الاستقلال والتقدم يكون بوحدة الشعب خلف قيادة واحدة، بدلا من الفكرة الوطنية الديمقراطية التي كان يمثلها الوفد، التي ربطت بين مطلبي الاستقلال والدستور.
منذ أواخر العشرينيات وحتى منتصف الثلاثينيات تقريبا تبلورت قوى سياسية سلطوية لها قدر من الشعبية، هي حركة الإخوان المسلمين وتنظيم مصر الفتاة. كلاهما رفض فكرة الأحزاب، داعيا إلي قيادة واحدة للشعب تحقق الاستقلال والمجد معا، وكلاهما التف حول الملك فاروق مدعما مطالبه الديكتاتورية ومؤيدا لحكومات السراي. وفي الوقت نفسه تقريبا شهد الوفد أهم انشقاق فيه، وهو انشقاق الحزب السعدي بقيادة اثنين من أهم قادته، هما أحمد ماهر والنقراشي، ثم انشق عنه وقت الحرب العالمية الثانية مكرم عبيد (الملقب بابن سعد زغلول البار) ليكون حزب الكتلة الوفدية. صحيح أن حزب الوفد لم يتحطم بفعل هذه الانشقاقات، لكنها أضعفته، وكانت إضافة جديدة لمعسكر السراي.
لم تقوض هذه التطورات بحد ذاتها النظام السياسي، لكنها عززت جانبه السلطوي. لكن بعد الحرب العالمية الثانية تمردت قطاعات واسعة من الأفندية والعمال على حدود النظام السياسي القائم، حتى ولو لو تنضم إلى أحزاب الأقلية أو الإخوان أو مصر الفتاة. فعلى صعيد القضية الوطنية برز مطلب إلغاء معاهدة 1936 وتصفية قاعدة قناة السويس البريطانية، ورفض تقديم ترضية لبريطانيا بقبول المشاركة في أحلاف عسكرية غربية. بل ظهرت فكرة تأميم قناة السويس وتبنتها بعض القوى. كذلك طولب الساسة المصريون بالتخلي عن طريقة التفاوض مع بريطانيا واللجوء لمجلس الأمن الدولي. جربت حكومات الأقلية التفاوض مع بريطانيا، واللجوء لمجلس الأمن وفشلت في الحالتين، ولم يبق سوى إلغاء المعاهدة، الذي قد يعرض البلاد عمليا للصدام مع بريطانيا، فكان هذا آخر ما في جعبة النظام المَلَكي، وقد لجأ إليه الوفد بالفعل في وزارته الأخيرة، لكن هذا الإلغاء ساهم كما سنرى في سقوط النظام القديم.
الأهم من ذلك أن الوفد لم يعد يقود حركة التحرر الوطني، بل أصبح يمشي في ذيلها ويستجيب لتيار وطني جديد ظهر في أوساط الأفندية والعمال، تيار أكثر جذرية وتساهم فيه تنظيمات متعددة. وفوق ذلك اخترق هذا التيار الواسع حزب الوفد نفسه، فتشكلت فيه مجموعة "الطليعة الوفدية" التي تبنت هذه الأفكار وأفكار الإصلاح الاجتماعي الجديدة التي سنتناولها الآن.
التمرد الاجتماعي والفكرة الاشتراكية
على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي تفاقمت أزمة رفض لسيطرة كبار الملاك على الحياة السياسية والاقتصاد. فقد تدهورت أحوال الفلاحين الفقراء بسبب زيادة الإيجارات الزراعية (حيث كان كبار الملاك يؤجرون أراضيهم لحائزين صغار) وشهدت أواخر العهد المَلَكي عددا من الهبّات الفلاحية. كذلك اشتكت القطاعات الصناعية من الطبقة الغنية من محاباة كبار الملاك في الضرائب والجمارك وظهرت بين صفوفها (وفي تنظيمات الأفندية المتمردة مثل الحركة الشيوعية ومصر الفتاة) دعوة إلى إجراء إصلاح زراعي معتدل بهدف تقليص المضاربة على الأراضي لضخ الأموال للاستثمار في الصناعة.
أما في المدينة فقد تفاقمت بطالة المتعلمين، رغم أن 42% من ميزانية الحكومة كانت تذهب للأجور، كما انفجرت الإضرابات، رغم أنها كانت محظورة، في مصانع القطاع الخاص، بل وامتدت إلى المرافق العامة وعمال الحكومة، ووصلت إلى إضراب كونستبلات البوليس عام 1948. وفي ظل هذه الأوضاع اتسعت التنظيمات الشيوعية التي لم يكن لها وجود يذكر في الثلاثينيات وانتشرت الأفكار الاشتراكية حتى تبنتها تنظيمات من خلفية مختلفة مثل مصر الفتاة، بل وظهر في الحركة الإسلامية كُتّاب طرحوا أفكارا عن اشتراكية الإسلام مثل الشيخ محمد الغزالي وسيد قطب (لكن الإخوان لم يتبنوا رسميا هذه الأفكار). شملت هذه الأفكار تحديد ملكية الأرض الزراعية وضرائب تصاعدية على الأرباح وتأميم المرافق العامة وغير ذلك من أفكار كانت مستجدة على الساحة المصرية في زمنها.
حكومة الوفد الأخيرة
أتت حكومة الوفد الأخيرة (1950- 1952) لتحاول أن تعيد التوازن للنظام الذي كان يترنح، فحاولت أن تُرضي كل من السراي المَلَكية والجماهير الثائرة، لكنها بالطبع فشلت في ذلك، فما كانت تقدمه لطرف كان يثير ثائرة الطرف الآخر. فمثلا، بينما كانت تحمي السراي من الاستجوابات حول مسألة "الأسلحة الفاسدة" في حرب 1948 (وهي قضية بولغ فيها كثيرا)، كانت تنساق خلف شعارات الحركة الوطنية الجديدة المتمردة، وتعجز، وفاء للتقاليد الوفدية، عن إغلاق صحفها حين أخذت تهاجم الملك نفسه. لكن الوفد قرر في النهاية أن يمسك بزمام المبادرة، نسبيا، ففرض على الملك إلغاء معاهدة 1936، لكن هذا الإجراء لم ينقذ النظام، بل أدى إلى تفاقم الأزمة السياسة، فقد انتشرت فكرة الكفاح المسلح ضد القاعدة البريطانية في القناة، وأخذت تتكون ميليشيات غير شرعية، قاومتها حكومة الوفد، مما أدى إلى نقدها ومطالبتها بأن تنظم هي الكفاح المسلح، بل وتعلن الحرب على إنجلترا، اتساقا مع موقف إلغاء المعاهدة، وهو ما كانت الحكومة عاجزة عنه لإدراكها للنتائج الكارثية لحرب غير متكافئة على هذا النحو.
وفي النهاية، أسفرت التوترات السياسية والاجتماعية المتفاقمة عن انفلات الموقف بالكامل في حريق القاهرة (يناير 1952)، الذي أعقبته ستة أشهر من الشلل السياسي الذي تجسد في تعاقب أربع وزارات في أقل من ستة أشهر، انتهت بانقلاب الضباط الأحرار. وفي الوقت نفسه، لم تكن القوى الجديدة التي شققت النظام القديم متحدة ولا نجحت في تنظيم الجماهير ولا طرحت نظاما سياسيا بديلا. باختصار، كانت النتيجة عجزا سياسيا شاملا، لعل من مظاهره أن تلك الفترة شهدت ظهور فكرة المستبد المصلح، أي الحلم بمستبد ينقذ النظام السياسي من المحنة ويجري الإصلاحات السياسية والاجتماعية الضرورية في البلاد. كان هذا الجو العام المشبع بإحساس الهزيمة السياسية لجميع الأطراف هو الذي حدث فيه الانقلاب، الأمر الذي يفسر سهولة الإطاحة بالنظام، ونجاح مجموعة محدودة من الضباط في إجراء جراحات سياسية واجتماعية واقتصادية في وجه مقاومة مشتتة.
كان النظام الجديد وطنيا سلطويا، تجسيدا لفكرة طرحتها بعض القوى في العهد المَلَكي نفسه، وامتدادا لسياسات السراي. كذلك كانت سياسات وشعارات النظام الجديد امتدادا لمطالب الحركة الوطنية الجديدة. فسواء تحدثنا عن سياسة رفض الانضمام للأحلاف الغربية وإجلاء الإنجليز، أو عن تأميم القناة، أو عن الإصلاح الزراعي، أو عن تهدئة الأفندية وتوفير الوظائف لهم، أو تحسين أحوال العمال، أو النهوض بالريف والفلاح، أو حتى مشروعات محددة مثل مشروع السد العالي، سنجد هذا كله مطروحا كتحديات على النظام القديم فشل في الاستجابة لها.
الخلاصة الأساسية أن نظام يوليو، خيرا كان أو شرا (حسب وجهات النظر) لم يأت من فراغ، ولم يكن نبتا غريبا عن تاريخ مصر الحديث، ولا عن مشكلات العصر الذي سبقه وقواه. بين العهدين، ثمة استمرارية إلى جانب الانقطاع، بما ينفي الفكرة المبسطة التي ترى فيهما نقيضان لا يجمع بينهما شيء، وبما ينفي عن تاريخنا الحديث أنه بلا معنى ولا اتجاه، وأنه مجرد حقب منفصلة لا يربطها رابط".