الجمعة 19 أبريل 2024 - 09:54 مساءً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

من رعاة للبقــــر...إلي رعاة للعالـــــم !!

الجمعة 27 يناير 2017 12:40:20 مساءًمشاهدات(908)

 

من الصعب بل من المستحيل على المرء فهم سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي والحاضر، من غير قراءة تراجع مفردات الخطاب التاريخي لما يسمي الآن بالولايات المتحدة الأمريكية، ففي قراءة هذا الخطاب التاريخي سنتعرف على الأساس الأسطوري في البنيان العقائدي المسيطر على عقلية الأمريكيين، فبغير قراءته، يصعب على المرء فهم السلوك الأمريكي تجاه الآخرين في أي زمان.
 
فالأسطورة التي سبق الترويج لها منذ بداية تكوين الولايات المتحدة الأمريكية تشكل الدعامة الرئيسية والمستمرة في التكوين العقائدي للأمريكيين، التكوين القائم على أرضية تعظيم مكانة الأمة الأمريكية، ودور الدولة الأمريكية. فالأمة الأمريكية هي الأمة النموذج في عقيدة الأمريكيين لأنها من صنع الله، وبأن الله سبحانه وتعالي حباها دون غيرها من الأمم برسالة عالمية. أما الدولة الأمريكية فهي ( دولة الله الوحيدة )، وهي أمل كل البشر جميعا، وهي القدس الجديدة !!
 
وهل هناك أفضل من أمة يتولى الله بناءها بذاته العليا، ويتولى بقدرته تعالي رسم دورها، ثم بعد ذلك يسند سبحانه وتعالي للأمريكيين تنفيذ مشيئته لأنهم الأفضل والأقدر. أسطورة خلقت ديانة بغير كتاب مقدس، وبغير أنبياء يمثلون وساطة بين السماء وبين الأمريكيين.
 
كان أول من بذر بذور تلك الأسطورة على أرض الهنود الحمر، هو (القِسْ جون وينتروب) بعدها تحولت تلك الأسطورة إلي ما يشبه الجمرة الخبيثة في عقول الأمريكيين ووجدانهم. كان هدف هذا القس استخدام تلك الأسطورة كحافز ينشط همم وأحلام القادمين من أوروبا، والحالمين في بناء وطن جديد متميز وأفضل من الأوطان التي تركوها من خلفهم..والتي كانت في رؤية المهاجرين أوطان فاسدة وضعيفة وقذرة.
 
ففي واحدة من الخطب التي كان يلقيها (ونتروب) على المهاجرون الأوروبيون في عام 1630 صور لهم هذا القس أن أرض الهنود الحمر هي الأرض التي سيقيمون عليها القدس الحقيقية، ودعي القادمين الجدد إليها قائلا: "علينا أن نتمعن ونتأمل مدينتا المقامة على التل، فعيون البشر جميعا تطلع إلينا."
 
وهكذا، بدأ بناء الولايات المتحدة الأمريكية بأسطورة أوصلت إلي عقيدة ملفقة تُعَمِّدُهَا وتبررها. ومع مرور السنين تضخمت الأسطورة عبر الإضافات التي جرت على السنة الرؤساء والقساوسة وحتى أعداد من المؤرخين ورجال الفكر الأمريكيون.
 
وبالتالي لعبت الأسطورة دورا تبريريا سهل على الأمريكيين تخطي وخذ الضمير، على ما اقترفوه من جرائم كان من أبشعها جرما تطهير الأرض التي استولوا عليها تطهيرا عرقيا، كما ظلت الأساس في تحديد وتوجيه رؤيتهم الجيوبوليتيكية والقائمة على التوسع معتمدين منهج الإبادة ضد ما كانوا يسمونه أعدائهم.
 
ومنذ 30 أبريل من عام 1789 توالي على حكم الولايات المتحدة الأمريكية ينتمون جميعا إلي النخبة الأكثر ثراء في المجتمع الأمريكي، وعلى الرغم من التفاوت في الثراء والخلاف في رؤية الأشياء سياسيا واقتصاديا وثقافيا، إلا أن الجميع قد توحدوا حول القاعدة الإيمانية الملفقة والتي تحولت إلي حضَّانة دينية وسياسية لجميع الرؤساء الأمريكيون فيما بعد، فلم يحدث أن أوصلت تلك العقيدة الملفقة إلي خلافا أو موضوعا للتنافس فيما بينهم، بدءا من جورج واشنطون إلي نجل جورج بوش.
 
فجون آدمز الرئيس الثاني يصف أمريكا (بالأمة المثال) التي تنير للآخرين الطريق، ويعتبر أن طريق الحياة الأمريكي هو الطريق الذي يعيد الكمال الإنساني مرة أخري.
 
توماس جيفرسون الرئيس الثالث وواحدا من آباء حركة الاستقلال عن بريطانيا، فينظر للأمريكيين على كونهم أطفال إسرائيل التي تصاحبهم أضواء السماء. وبأن الأمريكيون هم " حراس النار المقدسة، فهذه مهمتهم، لأنهم موضع ثقة العالم." ويحدد في رسالته للأمة الأمريكية عقيدتها بقوله:" لقد صدر إلينا النداء لكي نجعل من أنفسنا سدا لا يسمح بعودة البربرية والتعالي. وكان يقصد هنا أوروبا المريضة الضعيفة الفاسدة والمفسدة."
 
وراح جيفرسون يرد المظالم والبطش الذي ألحقه الأمريكيون بالآخرين بأنه عائد إلي:"حالة من حالات الانتخاب الطبيعي للبشر. وبأنه بدون ملاحقة الهنود الحمر، لكان من العسير بناء هذه الأمة ". 
وهذا _ بالضبط _ ما اعتمدته فيما بعد الحركة الصهيونية..فقد أعاد مناحم بيجين رغم الفارق الزمني الذي يفصله عن عصر جيفرسون بما يقرب 150 سنة نفس المعني في مواجهة الفلسطينيين قائلا:" فبغير _ مذبحة _ دير ياسين لما قامت إسرائيل ".
 
وهكذا، خلق الأمريكيون بأنفسهم ما يسمي بقانون (الحق المطلق) الذي يضع الأمريكيين في مرتبة فوق بقية البشر ويعطيهم الحق في استخدام القوة والبطش وإبادة أعدائهم، كي يتحقق ما بشرت به الأسطورة والعقيدة الملفقة.
 
بعد 50 سنة من حكم الرئيس جيفرسون حوالي عام 1857 أصدر مجلس القضاء العالي الأمريكي قرارا يحرم ويسقط عن العبيد الذين تحرروا..حق المواطنة الأمريكية !! لكن الطامة الكبرى تمثلت في تبريرات رجال الدين الأمريكيون جرائم اصطياد البشر من الكاريبي وإفريقيا، حيث اعتبروا ذلك عمل يقف وراءه غرض نبيل هو النهوض بهم وتمدينهم وتحضرهم !! ( علينا أن لا ننسى أن مصطلح المتمدنين والمتحضرين قد جري استخدامه في الخطاب السياسي الأمريكي بكثرة بعد أحداث 11/9/2001 )
 
أما السيد (جون كالهون) الذي أصبح فيما بعد نائبا للرئيس جيفرسون فيقول حول مسألة العبودية: " أن العبودية هي أفضل ضمان للبعض. لأنها شئ إيجابي وليست سيئة. إن الأجناس لا تستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض في سلام وانسجام إلا في ظل النظام الحالي.
 
وفي مايو من عام 1787 التقت 55 شخصية أمريكية متحضرة ومتمدنة لوضع أسس الدستور الأمريكي _وجميعهم يمتلكون عبيدا_ وعندما جري الحديث عن السود والمتبقين من الهنود الحمر، تعامل معهم الدستور الأمريكي على قاعدة كونهم أجانب !!
 
ولعل عضو الكونجرس سيناتور (جيمس فاردمان) كان أكثرهم صراحة مع النفس رغم تصريحاته الوقحة:" إنني أشك، أن رجلا برأس جوز الهند، أو رجلا بلون الشكولاته يمسح حذائي يوميا، أنه في حالة من النضج تسمح له أن يكون مواطنا في هذا البلد."
 
علينا أن لا ننسي أن هذه القاعدة التبريرية هي التي تأسست عليها سياسة فرض الحماية على الدول المستضعفة بعد الحرب العالمية الأولي، وبمقتضى هذه الأيديولوجية تم وضع العالم العربي كله تحت وصاية المتحضرين والمتمدينين من الأوروبيين.
 
إضافة إلي تبني القيادات الأمريكية السياسية والفكرية مقولة الانتخاب الطبيعي بين الأجناس البشرية، ترددت مقولة الحدود الديناميكية على السنة الرؤساء والقادة الأمريكيين، فالسيناتور ستيفان دوجلاس كان يدعوا إلي أن التعامل مع حدود دولة الأمة الأمريكية بمقاييس ترتبط بمبدأ:" أن التقوية وتنمية واتساع هذه الأمة هو قانونها، ونحن لا نستطيع أن نترك هذه الجمهورية الكبرى أن تحد من حدودها."
 
هذه المقولات الخطرة والتي سبق للقادة الأمريكيين الحديث عنها وطبقوها، تحولت فيما بعد إلي حجر الزاوية في بناء الأيديولوجية النازية والصهيونية. فإسرائيل وحتى الآن لم ترسم لنفسها حدودا، ولا قبلت مجرد أن تقدم تصورا للحدود التي ترغب في التوقف عندها، وهي بذلك تكرر النموذج الأمريكي.
 
أما تيودور روزفلت الرئيس السادس والعشرون، فكان يمثل بالنسبة لكل من الرئيس ريجين وبوش فيما بعد المثل الأعلى في القيادة، لأنه على حد تعبير ريجين يمتلك المؤهلات الجيدة التي تجعل منه مثالا يتعلم منه الآخرين. فماذا فعل تيودور روزفلت لكي يكون مثالا يتعلم منه ريجين وبوش الأب والأبن؟
 
لقد جسد العنف الصارخ، وكان يتباهى بأنه قتل كوبيا عندما قاد بنفسه غزو كوبا. وكانت نظرته للهنود الحمر بأنهم أعلي درجة من الحيوانات المفترسة والقذرة. وكانت نداءاته للأمريكيين أن يكونوا على مستوي الرجولة الظافرة وحيوية الشباب المتدفقة، ولا يكونوا مثل بقية شعوب الأرض من الضعفاء ".
كما أعتمد تيودور روزفلت مبدأ " أن الأمان بالنسبة للإنسان المتحضر، عندما يستطيع أن يتخلص من جيرانه البرابرة ". وهو المبدأ الذي يحتج به جورج بوش ويطبقه. وعلينا أن لا ننسي أن بوش قد وصف بن لادن وجماعته بأنهم حشرات !! وعلينا أن لا ننسي أن مفردات الخطاب السياسي الأمريكي تحدثت عن المتحضرين والبرابرة، وقيل أيضا أن أمن الولايات المتحدة الأمريكية يعني السلام بالنسبة للعالم..الخ. 
وعلينا أن نتذكر أن نفس المقولة قد أعاد صياغتها تيودور هرتزل عندما جري الحديث عن دور إسرائيل في المنطقة العربية فوصفها" بأنها استحكام محصن أمامي للحضارة الغربية ضد برابرة الشرق."
 
وجاء الدور على ويلسون الرئيس الثامن والعشرون ليتولى بنفسه تشجيع الأمريكيين ويطالبهم:" دعوا أفكاركم وتصوراتكم تحوم حول العالم كله، بيعوا للعالم بضاعتكم وعلموا العالم المبادئ الأمريكية." وكان هو أول من طبق ذلك، فستغل ظروف الحرب العالمية الأولي وأرسل جنوده إلي المكسيك، دومينيكان، جواتيمالا، بنما، نيكارجوا، كوبا، هائيتي، هندورس، بهدف السيطرة على مواقع استراتيجية تخدم المصالح الحربية الأمريكية. 
والغريب أن الرئيس ويلسون كان ينظر إليه بأنه رجل سلام، لكنه كان مثل غيره ممن سبقوه وممن جاءوا من بعده من رؤساء، سكارى بالأسطورة والديانة الملفقة وكانت أمريكا في مخيلته:" الدولة المثالية الوحيدة في العالم وأنها تمتلك الحق في إنقاذ العالم."
 
وقد ذهب الرئيس ويلسون أبعد من غيره في تصوراته، فقد أكتشف ذلك العبقري خطأ وقع فيها سيدنا المسيح عليه السلام . فقد طرح على نفسه سؤالا تولي الإجابة عليه .. والسؤال هو: " لماذا لم يستطيع المسيح أن يحرك العالم كي يتبعه "؟ وكان جوابه على سؤاله هو :" أن المسيح كان يفكر مثاليا وليس عمليا. "
لهذا أقترح على الأمريكيين أن يكونوا عمليين كي يكونوا مثالا يتبعه العالم. فالهدف واضح والمسرح معد، وهذه لم تكن إرادة الأمريكيين وإنما إرادة الله التي حَمَّلَهَا للأمريكيين، أننا لا نستطيع أن نتراجع ولكن علينا أن نتقدم بعقيدة واعية وبعزيمة مصممة على أداء رسالتها، التي خلقت من أجلها وهي قيادة العالم .
 
وهذا ما أعاده بالحرف جورج بوش بالحرف بعد ما يقرب من 90 سنة:"إننا مدعوون لمهمة تاريخية لقيادة العالم، وهذه لحظة تاريخية لن أضيعها أبدا"!!!
 
سيناتور آخر من ولاية إنديانا أكد على أن:" الله لم يخلق الشعوب التيوتانية واللغة الإنجليزية منذ ألف سنة عبثا. لقد منحنا الله القدرة المتميزة على التنظيم، لكي يجعلنا قادرين على تنفيذ النظام في العالم بدلا من الفوضى السائدة. لقد منحنا القدرة على القيادة لكي نزيل الحالة البربرية ونقود الشعوب البدائية. فبدون مثل هذه الكفاءة والمقدرة فإن العالم سوف يظل على حالة من الفوضى والوحشية. لقد اختارنا الله من دون الأجناس كلها، لكي يكون الشعب الأمريكي هو شعب الله، ولكي يتولى تنفيذ النظام في العالم بعد طول سنين".
 
حتى المفكرون والمؤرخون لم يسلموا من التلوث من الجمرة الخبيثة التي حملتها الأسطورة والعقيدة الملفقة، فهذا مؤرخا مثل (رونالد ستيل) ينزلق فيتبنى نفس المقولات ويدافع عن نفس العقيدة مثل الآخرين ويعتبر " أن دور أمريكا ورسالتها هي حقيقة، وحق مسلم به للأمريكيين، فهم القادرون على إسعاد العالم وتنظيمه وفقا للتصور الأمريكي."
 
كذلك رأى الأديب الأمريكي (هيرمان ميلفين) أن المجتمع الأمريكي منوط به رسالة تجاه العالم وذلك لطبيعته وتميزه فيدعي:" أننا نحن الأمريكيون، على ما نحن عليه الآن، نمثل شعبا متميزا. نحن شعب إسرائيل في زماننا الراهن، نحن سفينة نوح الذي بيدها إنقاذ هذا العالم". 
وعندما نصل إلي هاري ترومان أول من أستخدم القنابل الذرية ضد اليابانيين ليخيف السوفيت والعالم، فبرر فعلته البشعة..بقوله في عام 1952:" لقد تولت أمريكا دورها، الدور الذي ائتمننا عليه الله."
 
وعندما جاء رئيسا شابا كالرئيس كيندي، وأعتقد الكثيرون بأنه يأتي بأفكار جديدة تساهم في تأمين البشرية، وتناسب العصر الحديث، نجده يلتزم بالنمط السابق، فإيمانه بمفردات الخطاب السياسي الأمريكي القديم لم تتغير وظلت أمريكا تمثل له:" ضوء الأمل بالنسبة للعالم كله والقيادة الأخلاقية لهذا الكوكب."
 
الرئيس جونسون بطل المذابح للأمريكيين والفيتناميين في فيتنام يقول في وداع جنوده:" إن أمل شعوب كثيرة يرافقكم في ميدان القتال، بارككم الله." 
أما الرئيس نيكسون بطل فضيحة ووتر جيت فقال:" أن الولايات المتحدة الأمريكية أمة تحت رعاية الله، وتستطيع أن تعطى العالم الكثير مما لا تقدر عليه أمم أخرى، نحن نستطيع أن نكون القيادة الروحانية للعالم، سواء رضينا هذا أو لم نرضي، أن القيادة بالنسبة لنا واجب مقدر".
 
وعندما نصل إلي مرحلة لها علامة مميزة في تاريخ الرئاسة الأمريكية، فقد انتقلت السلطة من الأثرياء إلي أحد نجوم هوليود الأثرياء رونالد ريجين الرئيس الواحد والأربعون الذي أعاد على مسامع الأمريكيين ما قال به جون ونتروب بالحرف. أي أن ما قيل منذ أكثر من 350 سنة ظل على ثباته لم يتبدل بتبدل الرؤساء.
ففي مناسبة مرور مائة عام على إقامة تمثال الحرية بمدينة نيويورك قال ريجين متباهيا " بأن ميلاد بلاده قد جاء على يد جماعة كانوا يجلسون القرفصاء على سطح سفينة، ثم جاء جون ونتروب ليذكرهم بأن يتمسكوا بإيمانهم بالله، لأن عيون العالم تتطلع إليهم، ولا يفرطوا ولا يتقاعسون في أداء رسالتهم التي أرسلهم الله من أجلها، لأنهم بمثابة النور لكل أمم الأرض نور مدينتكم المقامة على التل."
 
وظلت أمريكا في وعيه أنها:" مدينة النور المشيدة على التل"، و" أن الله قد شملها بعفوه..وبأنه دائم التطلع إلينا، بوصفنا بلد الأمل والاستبشار الذي أختاره، لأنه يمثل الأمل الأخير والعصر الذهبي لسكان الكرة الأرضية." ويضيف.." لعلنا نستطيع عندما نصلي أن نرجوه أن يمنح الآخرين قليلا لكي يفرحوا"…ويواصل ريجين في تكرار ممل:" أن الولايات المتحدة هي بلد ووطن ودولة الله، لأن الأمريكيين أكثر إيمانا من غيرهم من شعوب أي بلد آخر". 
هكذا ، أصبح الأمريكيون وعلى لسان المؤرخ الأمريكي باول إيركسونPaul D. Erickson " شعب الله المختار المرسل من الله ليكون أداة التغيير والتأثير وعيونه في الأرض."
 
وإذا انتقلنا إلي مستوي آخر ساهم في بناء وترسيخ الأسطورة والعقيدة الملفقة في عقول الأمريكيين، تأتي المناهج التعليمية والخاصة بالأطفال، فقد كتب رئيس تحرير مجلة (Harper”s لويس لافام) يقول:" أن كل تلميذ لم يبلغ العاشرة من عمره يبدأ في تلقينه أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مذنبة في يوم من الأيام، عكس الأجانب _أي الشعوب الأخرى_ الذين بدءوا بارتكاب الجريمة ضد الإنسانية. وإذا أرتكب الأمريكيين أخطاء _لا سمح الله_ فهي أخطاء طفيفة وعن غير قصد منهم.
 
أما الأجانب فأشعلوا الحروب، ساندوا الشيوعيون والإرهاب وتهريب المخدرات. أما دور أمريكا كان دائما السعي في تنظيف العالم من أوساخه. حتى الأخطاء التي يرتكبها الأمريكي ليست من طبيعتهم السمحة، إن الأمريكيون يحوزون على الصفاء من السماء مباشرة، وهي طبيعة وراثية، وبرهانا وتقديرا على سماحتهم وكرمهم." ويذكر المؤرخ الأمريكي (فالتر فيبر) أن هذا الاعتقاد لم يسبب للأمريكيين أي مشكلة، خاصة في ظل ظروف الصعود الذي أوصل ببلد شكلته الهجرة إلي مكانة الدولة العظمي.
 
وهكذا لم يعد غريبا أو شاذا، أن يكون حديث أي رئيس أمريكي مع الآخرين من ملوك أو رؤساء حديثا بين أنداد، وإنما حديثا صادرا من أعلا، وهذا ما يجري اعتماده من قبل الإدارة الحالية، فلم يتردد بوش بعد أحداث 11/9/2001 أن يفرض على العالم أن يختار بين أن يمشي خلف الولايات المتحدة الأمريكية..لأنه اختيار بالوقوف إلي جانب" أعظم أمة على الأرض "، أو أن يكون مع الإرهاب. أما النائب العام الأمريكي فيقول:" من لا يؤيد سياستنا..فهو يؤيد الإرهاب."
 
باختصار، ظلت مفردات الخطاب السياسي التعبوي الموجه للمجتمع الأمريكي منذ تأسيس أمريكا على ما هي عليه. الأمر الذي أوصل الأمريكيون إلي مأزق حقيقي، فلم يعد في مقدورهم التراجع عن الدور الذي أوكله الله إليهم باعتبارهم شعب الله المختار، وساهم اعتقاد الأمريكيين بتميزهم وتفردهم في اتساع الفجوة بينهم وبين الآخرين، وبالتالي صعوبة القبول بمبدأ المساواة مع الآخرين. لقد ورد في كتاب الانفجار للأستاذ هيكل قول ديجول:"أن مشكلة الأمريكان أنهم يريدون أن يكونوا شرطي العالم ومعلمه وقسيسه وبنكيره وهذه كلها أدوار متناقضة مع بعضها. ولقد زاد عليها في عصر جونسون دور جعلها أكثر صعوبة وهو دور راعي البقر…وأن هدف أمريكا هو السيطرة الاقتصادية على العالم عن طريق الدولار ". وأخيرا..هل ما أوردناه فيه ما يكفي تفسيرا للسلوك الأمريكي تجاه الآخرين الآن؟ ارجوا أن أكون قد وفقت.