الجمعة 19 أبريل 2024 - 09:14 مساءً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

مهارات البلطجة والتسول

الخميس 29 يونيو 2017 09:14:37 صباحاًمشاهدات(720)

 

المؤشرات الأولية والنهائية تؤكد أن لا هرى الـ«فيس بوك» سيسفر عن حياة هنية، ولا رغى المقاهى سيؤدى إلى تغيرات جذرية. كما أن مشروعات البنية التحتية العملاقة وخناقات تيران وصنافير الرنانة لن تطعم فماً جوعاناً أو تعالج صحة معتلة. وفى اللحظات التاريخية الفارقة التى تلف فيها الشعوب حول نفسها، غير فاهمة لما يجرى حولها، أو غير هاضمة لما يدور فى أجوائها، يستحسن ويفضل ويحبذ أن نلتفت إلى ترتيب البيت من الداخل.
 
حياتنا المنقلبة رأساً على عقب باتت عصية على التحمل. شعوب عديدة تعانى غلاء الأسعار وضغوط الاقتصاد، لكن هذه المعاناة لا تكون بالضرورة مصحوبة بترك مقاليد القوانين تضرب تقلب، والسماح للمواطنين الأعتى فى القوة العضلية والأوفر فى القدرة البلطجية أن يلتهموا الآخرين.
 
ولأن إحدى أبرز سبل البقاء على قيد الحياة تغيير السلوك وتحوير الأخلاق حتى توائم البيئة المحيطة، فقد اعتنقت قطاعات عريضة من المصريين هذا التكتيك على مدار العقود الثلاثة الماضية. لكنه ظل تكتيكاً يجارى الفساد الاقتصادى والسياسى الأعلى، والذى «طنش» على مستويات الفساد الأدنى وشجع مهارات الفهلوة والفذلكة المتحايلة على صعوبات الحياة. وكان هذا الطناش وذلك التشجيع بغية الاستمرارية وصمام أمان يحول دون الثورة على الفساد الأكبر.
 
لكن السنوات الست الماضية شهدت تطوراً لهذا التكتيك، إذ تفجرت ينابيع (وفى أقوال أخرى بالوعات) الفساد الأدنى المستشرى بين طبقات الشعب المختلفة. وقد شجع على سريان هذه الينابيع وتنامى هذه المهارات غفلة القانون وغيبوبته.
 
وكثيراً ما يخلط كبار رجال الدولة ونسائها بين مطالبة أمثالى بتطبيق القانون وضبط وربط الشارع وانتقاد حالة السيولة والميوعة واللزوجة التى تتعامل معها جهات منوط بها تطبيق القانون، وبين عدم تقدير ما تمر به هذه الجهات من ضغوط ومصاعب بسبب الحرب على الإرهاب. وكم من مرة قيل لأمثالى من المنتقدين والمنتقدات لوصول شوارعنا إلى ما وصلت إليه من فوضى مدمرة وغوغائية قاتلة وبوهيمية مفزعة بأننا لا نقدر تضحيات الشرطة، ولا نتفهم المسئوليات الملقاة على عواتقها، ولا ندرى قيود ضآلة الإمكانات وشح القدرات المادية وقلة التدريبات البشرية. لكن لأننا نقدر ونتفهم وندرى نقول إن ترك الشارع يصل إلى هذا القدر من الفوضى إنما يمثل ضغطاً إضافياً على الشرطة، وتهديداً جديداً لها، بالإضافة لكونه يدق مسماراً آخر فى نعش حياتنا التى تحولت هباباً وضباباً.
 
ضبابية الحياة وهبابها ليسا ناجمين عن كرتونة البيض ذات الـ45 جنيهاً، أو كيلو اللحم ذى الـ140 جنيهاً، أو حتى كيلو الكعك ذى الـ100 والـ120 جنيهاً، لكن منبعهما الحقيقى هو تلك الفوضى العارمة فى الشارع، وهى الفوضى التى كلما تُرِكت دون علاج وأطلق لها المجال دون حساب، كلما تجذرت وأصبحت أمراً واقعاً غير قابل للإصلاح.
 
خذ عندك مثلاً جيوش السيارات السوزوكى «الثمناية»، هى سيارات مرخصة ملاكى، أى لا يسدد أصحابها والعاملون عليها حق الدولة من ضرائب وغيرها. وقد تحولت من بضع سيارات تعمل فى الخفاء متحاشية الوجود فى أماكن الوجود الشرطى إلى جيوش جرارة ترتع فى شوارع المدن، وتتمركز فى وسط شوارعها، وتتخذ من أجدعها مطلع كوبرى أو أرقاها ميدان عام موقفاً لها. ودون الخوض فى سلوكيات سائقيها من الصبية، حيث قيادة سمتها الرعونة وقوامها انعدام اللياقة وقانونها السير عكس الاتجاه إلخ إلخ، فقد تضاعفت أعدادها وصارت واقعاً قبيحاً نتعايش معه.
 
تخيل معى لو استيقظت إدارة المرور ذات صباح وقررت أن تمنع هذا الهراء، سنجد وقفات احتجاجية لأصحاب هذه السيارات والعاملين عليها وأسرهم، وهتافات معادية للدولة القمعية، والحكومة المفترية التى تريد أن تقطع عيش ربع / نصف /ثلاثة أرباع / مليون أسرة، وتهرع جمعيات حقوقية وناشطون إلى دعم هؤلاء، وستصدر الدراسات والتقارير المعنونة «الدولة المصرية بين السياسات القمعية والأنظمة المفترية».
 
وأذكركم وأذكر نفسى أننا كنا حتى الأمس القريب ننتقد الرعيل الأول من بلطجية الطرق وعفاريت الأسفلت، ألا وهم سائقو الميكروباص الذين باتوا معلماً تراثياً ومدرسة فكرية فى القيادة المصرية. هؤلاء تحولوا نماذج تحتذى وقدوات تنتهج من قبل سائقى باصات النقل العام الخضراء الصغيرة، والسيارات التابعة للوزارات والهيئات الحكومية، بل امتد أثرهم وتمكن علمهم الغزير من الوصول إلى قادة السيارات الملاكى، وتحولت الشوارع إلى بزرميط كامل.
 
ولا يكتمل هذا البزرميط دون تمدد مملكة السيَّاس، حيث تحصيل إتاوات بحد أدنى خمسة وعشرة جنيهات تذهب إلى جيوبهم بعيداً عن أعين الدولة، وذلك نظير توقيف السيارات فى الشارع. ومع مملكة السياس تأتى سلطنة الشحاذين والمتسولين وهى السلطنة التى باتت تهيمن على النسبة الأكبر من نواصى الشوارع الرئيسية، وهى عبارة عن عائلات ممتدة وتشمل كذلك كنَّاسين وكنَّاسات بعضهم موظفون فى الدولة والبعض الآخر يستأجر الزى الرسمى بغرض التسول.
 
ولا يفوتنا أن نشير إلى عودة محمودة لتوغل المقاهى على ما تبقى من أرصفة وبعرض الشوارع، وذلك بعد حملات قصيرة العمر أعادتها إلى حدودها الرسمية.
 
وقد سعدت كثيراً، كما سعد الكثيرون من المواطنين الشرفاء، برؤية سيارات الشرطة الجديدة النظيفة وهى تجول الشوارع، وهو ما يطرح سؤالاً سخيفاً ثقيلاً: إذا كانت لدينا إمكانيات شراء سيارات جديدة، هل يمكن أن تكون لدينا إمكانيات إنفاذ القانون على بزرميط الشارع؟ وهل المشكلة تكمن فى عدم وجود الإمكانية أم الرغبة أم ماذا؟ كل عام ومصر والمصريون و«البزرميط» بخير.