السبت 27 أبريل 2024 - 11:46 صباحاً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

التعليم العالي العربي وتحديات التنمية (1)

الثلاثاء 30 يناير 2024 12:53:23 مساءًمشاهدات(524)
 
 
من المعروف أن الحضارة العربية الإسلامية لها شأن في التعليم العالي يذكر ولا ينكر , فقد عرف المسلمون حضارات الأمم القديمة واطلعوا على ثقافاتهم بعد استلامهم زمام الأمور في بلاد هذه الأمم . فأخذوا معارفهم , واستفادوا من علومهم وتجاربهم في شتى المجالات , وترجموا كثيراَ من كتبهم إلى اللغة العربية, ودارسوها وتعلموا ما فيها. ولم يقفوا عند الذي عرفوه وأخذوه منهم , بل انطلقوا لإتمامه و‘إكماله , فأضافوا إلى علوم القدماء وأعمالهم , وزادوا فيها نتائج فكرهم وما جادت به قرائحهم , وما وصلت إليه أعمالهم , وما كشفته وأثبتته تجاربهم , وصححوا وقوموا ما فيها من الخلل حتى بنوا حضارة زاهية زاهرة , بلغت مرتبة من الغنى والتقدم والازدهار لم تبلغها أي حضارة سابقة . فلقد حملت هذه الحضارة مشعل الفكر، وقادت الإنسانية جمعاء في العصور الوسطى مدة ثمانية قرون , في طريق النور والحرية والكرامة الإنسانية .
لقد كانت المساجد هي مراكز التعليم العالي في الحواضر الإسلامية إبان القرون الأولى للإسلام كما في البصرة والكوفة وبغداد ودمشق والقاهرة , ثم نشأ مدارس التعليم العالي في العالم الإسلامي في فترة العصور الوسطى , قبل نشأة الجامعات في أوروبا بقرون عديدة . ونذكر في هذا الشأن جامعة الزيتونة في تونس وجامعة قرطبة في الأندلس , والمدرسة الظاهرية بدمشق , والمدرسة النظامية في بغداد . نعم كان لدينا العديد من أقدم جامعات العالم مثل : جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب والتي تم تأسيسها في العام 859 م وتخرج فيها الكثير من العلماء مثل ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع .. والكثير جداَ من النابغين في علوم الدين واللغة العربية والطب والفلك . وكذلك جامعة الأزهر الشريف التي تعتبر ثاني أقدم جامعة عالمية والتي أنشئت عام 970-972م بمدينة القاهرة , وكان لها الفضل العظيم والمساهمة بقدر كبير في دفع الحركة العلمية والدينية والدنيوية للعرب والمسلمين . 
ولقد شهدت فترة السبعينيات والثمانينيات تطوراَ كبيراَ في تأسيس إحدى وخمسين جامعة خلال الفترة 1970م إلى 1987 م وهذا ما يعاد لـــ 60% من الجامعات العربية. وطبقاَ لما هو متوافر من المعلومات , فقد بلغ العدد الاجمالى للجامعات حتى عام 2014 ما يقارب من 338جامعة . أما إذا أضفنا المعاهد العليا وكليات المجتمع ومعاهد إعداد المعلمين وغيرها من مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات , فإن عدد مؤسسات التعليم العالي يصل إلى أكثر 1139 مؤسسة . من هنا تأتى أهمية كتاب " التعليم العالي العربي : متطلبات القيمة المضافة وتحديات التنمية " للباحث أحمد على الخطيب والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب . 
إن ملامح الوضع الحالي للتعليم العالي وبخاصة الجامعات في البلدان العربية يمكن اختصارها في غياب السياسات , وعدم وضوح الرؤية وضعف الاستقلال , وضعف التمويل وقلة الإنفاق,وعدم الجهوزية التامة للمختبرات وقاعات الدرس,وعدم مواءمة مخرجاتها بدرجة كافية م  مع متطلبات التنمية والتطوير , وغياب العمل بآليات إدارة التميز والجودة الشاملة . ومن الملاحظ أن هناك مشكلات يعانيها التعليم العالي العربي تحول دون تحقيق منظومة الجودة بمؤسساته. إن التحديات التي تدفعنا إلى إعادة النظر فى تنظيم التعليم العالي في بلادنا العربية هو عدم قدرته الآنية على تلبية متطلبات التنمية , بل إنه يمثل عبئاَ ثقيلاَ بمتطلباته على الموازنات المالية للدول , في الوقت الذي تتباهى دول العالم الأخرى بدوره الفعال في صناعة حضاراتها وحماية الأمن القومي لها .
ومن المتفق عليه في أدبيات التنمية أن الارتفاع بمعدلات إتاحة التعليم العالي الجيد , وزيادة الطاقة الاستيعابية لمؤسساته , والارتفاع بمستويات جودة خريجيه قد يسهم في تحسين المناخ الاقتصادي وتحقيق مستويات مرتفعة من الإنتاجية والنمو الاقتصادي وتعزيز مستوى رفاهية المواطن . ومن الطبيعي أن تزداد أهمية هذه العلاقة في ظل مجتمعات الحداثة واقتصاد المعرفة بالألفية الثالثة , وفى إطار من وجود توقعات راسخة بمزيد من الشفافية وآليات حديثة لضمان جودة التعليم واعتماد برامجه ونظمه ومؤسساته. إذ تؤكد معظم مؤشرات التنمية الدولية الارتباط المباشر , أو العلاقة الطردية , بين نجاح الدول في تحقيق أداء اقتصادي واجتماعي متميز وما أنجزته من تقدم في مجالات التعليم والبحث العلمي والتنمية التكنولوجية .
إذ تفيد المؤشرات الاقتصادية أن الإنفاق على التعليم العالي كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنطقة الاتحاد الأوروبي في عام 2010 يقدر بنحو (1.4%) (1.2%) على التوالي , أما في الدول العربية فيقدر نصيب التعليم العالي من الإنفاق على الناتج المحلى الإجمالي في مصر بنحو(0.9%) ولبنان بنحو(0.5%) ,والأردن بنحو(0.1) . وحيث أن المناخ التعليمي  بالألفية الثالثة يتطلب التعامل مع منظومة التعليم العالي بنظرة مغايرة تأخذ في اعتبارها المواءمة بين مهامها الأكاديمية ودورها في إنتاج المعرفة ونشرها من خلال أنشطة البحث والتطوير والابتكار , فإنه يتعين مضاعف المخصصات المالية للبحث العلمي بالجامعات والمراكز والبحثية المستقلة بغية تحقيق الأهداف المعرفية المرغوبة. وتعبر مؤشرات الإنفاق على البحث والتطوير بالدول العربية عن عدم الاتساق مع هذا التوجه المعرفي , حيث لا يتعدى الإنفاق على البحوث العلمية بالدولة العربية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي نسبة 1 % ، بل يقل عن ذلك في عدد غير قليل من الدول  العربية . وتؤكد النتائج حقيقتين يتعين أخذهما فى الاعتبار لإصلاح منظومتي التعليم العالي والبحث العلمي. 
وتطمح مؤسسات التعليم العالي لزيادة قدرتها الإبتكارية والإبداعية وجودة النوعية لتمكين برامجها التعليمية من تحقيق القيمة المضافة Value added كي تلبى حاجات المجتمع ومتطلبات التنمية في عصر ازدهار المعارف من خلال التأقلم والتكيف مع الواقع الذي فرضته جملة من التحولات مستخدمة المعارف والتقنيات الحديثة. ذلك الأمر الذي يتطلب وجود قيادات تغيير ذات رؤية استشرافية نحو المستقبل لإحداث تطوير شامل في المجال المعرفي والثقافي والمهني والبحثي والمجتمعي وتعزيز ثقافة الجودة والتميز والتركيز على وضع الإستراتيجيات وتحديث الهياكل التنظيمية وتغيير النظم التقليدية وتطوير المهارات الحالية والقيم المشتركة والأنماط القيادية الفاعلة.