تعد قضية الصراع العربي الإسرائيلي، أهم قضايا الأمة العربية، وهى القضية المركزية في الشرق الأوسط، وحتى نتمكن من تقديم محاولة جادة لفهم ما الذى يحدث في الشرق الأوسط، وإلى أين يتجه الصراع في منطقة الشرق الأوسط، يتحتم علينا إجراءات بعد المراجعات التاريخية في مسار هذا الصراع وتحولاته، من هنا تأتى أهمية كتاب " مصر وأمريكا وإسرائيل .. قصة الصراع في الشرق الأوسط (1948-19739) للدكتور جمال شقرة والصادر حديثا عن الهية المصرية العامة للكتاب.
كانت البداية مع نكبة العرب عام 1948 عندما فرقتهم العروش وهزمتهم الجيوش، حيث خاضوا الحرب دون تخطيط وتحت قيادة جنرال بريطاني " جلوب باشا "، كان يتحكم في جيش ملك لم تكن تهمه إلا مصلحته ومصلحة إمارته حتى لو دفعه ذلك إلى التعاون مع العدو.
ومنذ ان وقعت هزيمة 1948، والجدل لا يزال مستمراً حول أسباب " نكبة " الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية وحول الخطاء التي ارتكبها الملوك والحكام العرب والساسة العرب من ناحية وقادة الجيوش العربية من ناحية أخرى.
واللافت للنظر أن التقرير العام لقائد القوات المصرية بفلسطين الذي سجل فيه قبيل انتهاء العمليات العسكرية – آراء رؤساء أركان حرب الجيوش العربية، حول أسباب تدهور الموقف في فلسطين لم يبتعد كثيراً عن حقيقة ما جرى بعد إعلان قيام الدولة اليهودية يوم 15 مايو 1948 ودخول القوات العربية لإنقاذ فلسطين من براثنهم. لقد انعقد مؤتمر رؤساء أركان حرب الجيوش العربية بالقاهرة يوم الأربعاء 10 نوفمبر 1948، وانتهى الاجتماع برفع توصية إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية. ولعل اهم ما ورد بها، ما جاء تحت عنوان: ما يجب على الحكومات العربية أن تقوم به، فبعد وصف الموقف العسكري بأنه على جانب كبير من الخطورة .. أشار التقرير إلى أن معالجة الأمر يتطلب أن تقوم الدول العربية باتخاذ الإجراءات التالية:
أولا: تدارك ما تحتاجه الجيوش العربية من الأسلحة والذخائر والمهمات والطائرات والقوة البحرية، والتغلب على جميع الصعوبات والعراقيل التي تحول دون ذلك، مهما كلفها الأمر من جهود وتضحيات.
ثانيا: تسخير كل ما في البلاد العربية من موارد، واستخدام جميع الإمكانيات لأغراض الحرب، ولو أدى ذلك إلى إعلان التعبة العامة.
ثالثا: ترك حرية العمل للعسكريين وجعل الاعتبارات العسكرية فوق جميع الاعتبارات وحصر كل جهود الحكومات العربية ومساعيها في تأمين احتياجات جيوشها وتلبية مطالبها وبعبارة أقصر تعبئة جميع القوى وتسخيرها للمجهود العربي.
رابعا: يجب على السياسيين قبل اتخاذ أي قرار عسكري، إحاطة العسكريين في جميع الأوقات بالموقف السياسي الذي يتطلب تدخل الجيوش، لوضعهم في الصورة الصحيحة حسب مقدرة هذه الجيوش وما يتطلبه الموقف السياسي.
وقبل انقشاع دخان وغيوم المعارك وشيوع أخبار ما جرى للجيوش العربية على أرض فلسطين، بدأ شهود العيان، والمراقبون العرب والأجانب يتحدثون عن الهزيمة التي أحلت بالعرب وأهم عوامل فشلهم.
ويكاد ينعقد الإجماع على أن استهانة العرب بعدوهم وعدم إدراك أهدافه الحقيقية ونقص المعلومات عنه من ناحية وعدم وضوح أهداف الجيوش العربية من دخول الحرب ، وبالتالي اضطراب الخطط والافتقار إلى التنسيق والتعاون فيما بينها وعدم الإعداد الجيد للجيوش من ناحية أخرى كان وراء انهيار الجيوش العربية يضاف إلى ذلك الصراع والتنافس السياسي بين الحكام العرب ، وسيطرة الشك وعدم الثقة على تصرفاتهم ، وبالتالي تدخل القرارات السياسية بهدف توجيه الحرب ، دون معرفة بما يدور على الأرض من معارك هذا بالإضافة إلى أخطاء القيادات العسكرية قبل الهدنة وبعدها وتأييد الغرب للعصابات الصهيونية .
ويعتقد البعض أن الاستهانة بالعدو كانت بسبب نقص المعلومات، وعدم قدرة الحكومات العربية على تقدير القوة الحقيقية للعصابات الصهيونية التي هاجرت إلى فلسطين كما أنها كانت تجهل ما لديها من أسلحة وخطط للاستيلاء على أرض فلسطين العربية.
ومن ناحية أخرى ورغم حماسة الجماهير العربية وصدق وطنتيها وعروبتها فإن الشعوب العربية كانت تنظر إلى المعركة باعتبارها صراعا جانبيا وفرعيا لا يجب أن تتوقف عنده كثيراً حياتهم اليومية، وكانت هذه الرية ترجمة أمينة لمواقف الحكومات العربية التي لم تكن تقدر أن معركة فلسطين 1948 معركة حيوية وتاريخية حاسمة وفاصلة وصداماً مع عدو استمر يستعد لقتالهم منذ ثلاثين عاما.
كان جيش العدو الذي استهان به العرب قد أسس بعد صدور وعد بلفور عام 1917 فلم ينتظر اليهود حتى يوم إعلان الدولة اليهودية 15 مايو1948 ليؤسسوا جيشهم بل قاموا بدمج القوات التي كانت مبعثرة حول المستوطنات مثل قوات " شيترن "، والأرجون زفاى ليومى "، و " البالماخ"، و" الهاجاناه".
وللحديث بقية ..