تعد قضية الصراع العربي الإسرائيلي، أهم قضايا الأمة العربية، وهى القضية المركزية في الشرق الأوسط، وحتى نتمكن من تقديم محاولة جادة لفهم ما الذى يحدث في الشرق الأوسط، وإلى أين يتجه الصراع في تلك المنطقة شديدة الاضراب في العالم، الأمر الذى يحتم علينا إجراء بعض المراجعات التاريخية في مسارات هذا الصراع وتحولاته، من هنا تأتى أهمية كتاب " مصر وأمريكا وإسرائيل .. قصة الصراع في الشرق الأوسط (1948-1973) للدكتور جمال شقرة والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. ويتابع المؤلف بقوله، تشير الوثائق العبرية، ويؤكد ما سجله شهود العيان من العسكريين العرب الذين شاركوا في حرب 1948 إلى أن القيادة السياسية الممثلة في اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية ورئيسها " دافيد بن جوريون " أعطت لهذه القوات توجيها محدداً بالأهداف الاستراتيجية المطلوب تحقيقها على النحو التالي: -
أولا: تأمين احتلال الأجزاء المخصصة للدولة اليهودية من فلسطين سواء بالعمل المسلح أو بالاتصال بالقيادات البريطانية.
ثانيا: التأكد من السيطرة على كل مفارق الطرق المتقابلة والمتقاطعة، إلى جانب كل المواقع المرتفعة الحاكمة والكاشفة لما حولها، مضافاً إلى ذلك كل المناطق القريبة أو الموازية لحدود الدول العربية المحيطة بفلسطين بهدف تطويق ميدان الصراع وتأمين الحركة بين أرجائه دون عوائق وبالطبع لم يكن مهماً أن تكون مفارق الطرق أو المرتفعات الحاكمة أو مناطق الحدود داخله في الجزء الذي خصصه قرار التقسيم لليهود.
ثالثا: العمل بكل الوسائل على دفع أكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين إلى الهروب من مدنهم وقراهم وبيوتهم ومزارعهم وذلك بإرهابهم وتنفيذ المذابح المروعة وإشاعة أخبار ذلك في كل مكان، وكانت مذبحة دير ياسين هي النموذج الذي أشاعه اليهود للمصير المأساوي الذي ينتظر من تراوده نفسه من الفلسطينيين بالبقاء في أرضه.
والجدير بالذكر أن الأهداف الاستراتيجية والتوجيهات السابقة جاءت ترجمة واضحة لما استقرت عليه أفكار قيادات الحركة الصهيونية حول الدولة اليهودية التي ستزرع في أرض فلسطين، وتحديداً فيما يتعلق بحدود الدولة والمسائل المتعلقة بأمنها، ومصالحها.
فحدود الدولة: لن يعلن عنها، ولن يتم تحديدها فسوف تظل تتمدد باستمرار مع مدى ما يمكن أن تصل إليه قوة جيشها. ومن هنا يجوز تحديد مقولة أن حدود الدولة اليهودية تمتد من النيل إلى الفرات وهو الادعاء المسنود بأساطير تاريخية ودينية لا قيمة لها.
أما عن حدودها الآمنة، فلن يعلن عنها، ولن يتم تحديدها كذلك حيث تتسع هي الأخرى لتشمل التصدي لأي خطر يهدد الدولة اليهودية الوليدة، سواء كان ذلك الخطر قريبا من حدود التقسيم أو بعيد يصل إلى عمق مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية. أما مصالح الدولة، فهي الأخرى لن تحدد بحدود، حيث ستعمل الدولة اليهودية الوليدة على تأمين مصادرها من موارد البترول الموجودة في الشرق الأوسط، ومصادر المياه وأسواق التجارة وخطوط المواصلات وحرية السفر والانتقال.
هكذا كانت القيادات الصهيونية التي جهزت الهاجاناه وقامت ببناء المصانع المتخصصة في إنتاج السلاح وأدوات الدمار، والتي قامت بربط البحث العلمي بالإنتاج الحربي، كنات تفكر للمستقبل ولا تنظر تحت أقدامها وتربط نفسها بقرار التقسيم، ولذلك لم تفلت منها اللحظة التاريخية.
وهكذا نجحت الوكالة اليهودية التي تحولت إلى حكومة في إعداد جيش قوى تمثل في قوات الهاجاناه – جيش الدفاع الإسرائيلي – وكان هذا الجيش سنة 1948 أكبر من كل توقعات العرب، بل أكبر مما كان يدور في خيالهم حيث أثبتت وقائع حرب 1948 أنه كان قادراً على السيطرة على المناطق المخصصة للدولة اليهودية كما أنه كان جاهزاً للوثوب على كل أرض فلسطين. على الجانب الآخر كانت فلسطين مكشوفة وغير قادرة على درء الخطر اليهودي، ولذلك عولت كثيراً على الدعم العربي وعلى الجيوش العربية.
وأعتقد أن ملاحظة " عبد الرحمن عزام " الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتئذ لم تبتعد كثيراً عن الحقيقة، حيث صرح بأن حرب فلسطين كانت المرة الأولى التي يفكر فيها العرب !! والمرة الأولى التي دفعتهم الظروف ليعملوا كدول مستقلة والحقيقة أنهم لم يكونوا وقتئذ دولا مستقلة بل كانوا شبه مستقلة. وبديهي أن الدول المحتلة أو حتى شبه المستقلة محرومة من التفكير الاستراتيجي، لذلك كانت تجربة 1948 أول مرة يحاول فيها العرب أن يفكروا على المستوى الاستراتيجي لمنطقة بأكملها كما أنها كانت المرة الأولى التي يخطر فيها للعرب احتمال لجؤهم إلى القوة المسلحة. ولقد أثبتت الأسابيع الأولى للحرب افتقادهم للتكامل والانسجام والتنسيق، كما أثبتت افتقادهم لاستراتيجية واضحة ومحددة المعالم. وأعتقد أن هذا العامل كان من أهم العوامل التي أدت إلى هزيمة 1948.