تعد قضية الصراع العربي الإسرائيلي، أهم قضايا الأمة العربية، وهى القضية المركزية في الشرق الأوسط، وحتى نتمكن من تقديم محاولة جادة لفهم ما الذى يحدث في الشرق الأوسط، وإلى أين يتجه الصراع في تلك المنطقة شديدة الاضطراب في العالم، الأمر الذى يحتم علينا إجراء بعض المراجعات التاريخية في مسارات هذا الصراع وتحولاته، من هنا تأتى أهمية كتاب " مصر وأمريكا وإسرائيل .. قصة الصراع في الشرق الأوسط (1948-1973) للدكتور جمال شقرة والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. ويتابع المؤلف بقوله، والمثير للدهشة أن أول رئيس لوزراء إسرائيل دافيد بن جوريون قرأ المشهد المأزق العربى ، وأعتقد أنها لم تكن مصادفة أن تأبى قرأتة متسقة مع طبيعة الشخص العربى واعتقد كذلك أنها لم تكن مصادفة أن يرسم بن جوريون خطتة وتكتيكاتة ومراحل تنفيذها وفقا لهذه القراءة.
شرح ديفيد بن جوريون رؤيتة لأحوال القيادة السياسية العربية لهيئة العمليات العسكرية الإسرائيلية على النحو الذى أوردة " د. إسرائيل بير " فى دراستة المعنوية بأمن إسرائيل أمس واليوم وغداً. قال بن جوريون أن الزعماء العرب سوف يبدأون الحرب ضدنا من موقف معلن واحد. بين أطرافة من يعادينا بكراهية لنا ، وبينهم من يتظاهر بعدائنا مسايرة لآخرين منافسين من الملوك أو جماهير من الشعوب ، هذه هى المرحلة الأولى ، سوف نرى كل الزعماء العرب حلفاء لبعضهم البعض ثم تجيىء بعد ذلك مرحلة ثانية يظهر فيها التناقض بين الزعماء العرب ، وينفض تحالفهم ، وبالتدريج سوف يصبح بعضهما عدوا للبعض الآخر وحين يحدث ذلك سوف تجيىء مرحلة ثالثة يصبح فيها بعض الزعماء العرب موضوعيا وعملياً حلفاء لنا. وأكد ديفيد بن جوريون لهيئة العمليات العسكرية أنه على القيادة الإسرائيلية أن تلاحظة وتتابعة وتتصرف وفقاً لمصالحهم مع مقتضيات مرحلة بعد مرحلة.
واللافت للنظر أن ما جرى على أرض الواقع لم يكن بعيداً عن رؤى وتصورات ديفيد بن جوريون بل جاء متطابقا تمام مع ما كان يحلم بة. فمن ناحية الإستراتيجية لم تكن أكبر الدول العربية مصر تمتلك إستراتيجية واضحة ، بل إنه ليس بعيدا عن الصحة القول بأن مصر لم تكن قد حسمت موقفها تجاه مسألة هويتها وظلت مشتتة بين الفرعونية والعروبة والمتوسطية ، كان الأختيار الصعب قد فرض نفسة على قادتها ونخبها الفكرية ، وكان تباين مواقف النخبة عائق معرقل لتبنى إستراتيجية مصرية تضع الأمن الوطنى أو القومى نصب أعينها لذلك عندما دخلت مصر الحرب سنة 1948 دخلت دون إستراتيجية ، وحارب جيشها دون خطة مستمدة من إستراتيجية محددة وثابتة.
وإن كان من المثير للدهشة إن عبد الرحمن عزام أول أمين لجامعة الدول العربية ، لم يلتفت هو الآخر إلى حجم الخطر الصهيونى إلا بعد قرار التقسيم ، فإنة من المضحك والمكبى فى آن واحد ، أن الأمير "محمد على" ولى عهد المملكة المصرية بعد رحيل الملك فؤاد أقترح بيع حائط المبكى لليهود ، بملبغ مائة ألف جنية مصرى ، حيث كان يرى أن هذا الحائط هو سبب المشكلة بين اليهود والفلسطينين كان هذا هو الوضع فى أهم الدول العربية ، ولذلك عندما دخلت الحرب ، كان قادتها يتصورن أنهم يدافعون عن الشعب الفلسطينى منطلقين من روابط الأخوة والجوار ، ولم يخطر على بال كثيرين وقتئذ أن مصر يجب أن تحارب من أجل نفسها حتى لايتحقق عزلها وراء صحراء سيناء.
ولم يكن الوضع مختلفاً فى بقية الدول العربية ، حيث غابت الإستراتيجية ، ولم تزد خطة العمليات العربية فى فلسطين عن مجموعة تصورات واتجاهات عامة ، وليس بعيداً عن الصحة القول بأن الإشارة التى وردت فى يومية الحرب مساء 14 مايو 1948 من القيادة العليا فى عمان لم تكن الأمر أمر عمليات بالمعنى الصحيح منطلق من خطة واضحة لها أهداف محددة تحديداً دقيقا ومجدولة زمنياُ وبتنسيق مسبق مع جميع القوات فى جميع الجبهات على أفتراض أن القوات العربية كانت قوات متحالفة بكل ما تعنية كلمة التحالف من معنى.
والمثير للدهشة أن الجيوش العربية التى اندفعت لتحرير فلسطين العربية ، لم تكن تعرف شيئاً عن جغرافيتها بكل كانت جاهلة تماماً بطبيعة الأرض التى ستحارب فوقها. فالجيش العراقى دخل الحرب دون تدريب جنوده على استخدام المضادة للدبابات فضلا عن افتقاده ، وكذلك الجيش الأردنى للذخيرة ، وبينما استأجرت الحكومة المصرية سيارات من أحد المتعهدين لنقل قواتها إلى أرض المعركة ، كان الجيش العراقى يستخدم الدواب فى نقل وحمل الأسلحة. وإذا أضفنا إلى ذلك عدم استكمال الشئون الإدارية من مؤن ووقود ومياه وصيانة ومستشفيات وطواقم إصلاح المعدات .. يكون الأمر أقرب إلى العبث منه إلى دخول الحرب.
وللحديث بقية..