يتابع الباحث أحمد على الخطيب في كتاب " التعليم العالي العربي: متطلبات القيمة المضافة وتحديات التنمية " والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. بقولة: لذلك يجب ألا يغيب عن أذهان القائمين على وضع إستراتيجيات التعليم العالي في الدول العربية وأصحاب القرار فيها ضرورة طرح بعض التساؤلات، لعل من أبرزها: كيف تستطيع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى تحقيق القيمة المضافة والميزة التنافسية في عصر تهيمن عليه القوى النيوليبرالية الاقتصادية؟ إن القائمين على استراتيجيات التخطيط في التعليم العالي والأنظمة التعليمية العربية مطالبون الآن بوضع السياسيات والخطط لمواجهة تحديات عصر المعلوماتية من خلال إدارة طوفان المعلومات، وإعداد رأس المال البشرى الأكثر كفاءة، والحاجات الاجتماعية المتمثلة في الحق في التعليم ، وتعزيز روح المواطنة ، وأخيرا المحافظة على القيم الثقافية والأخلاقية .
ومن أجل تحقيق القيمة المضافة، فمن الواضح أن إستراتيجيات التخطيط فى التعليم العالي تواجه الآن مجموعة من المعوقات والتحديات، كالنمو السريع في أعداد الطلبة، واتساع الهوة بين مدخلات التعليم ومخرجاته، ومشكلة القبول في التعليم العالي ومجانيته وتبعيته للدولة، وعدد من المعوقات الأخرى. لذلك كان لزاما أن يكون من بين الأدوار التي يضطلع بها القائمون على التخطيط في التعليم العالي لمواجهة تلك المعوقات والتحديات: تحرير مؤسسات التعليم العالي من هيمنة الحكومات وتحسين نوعيتها، وإقامة نسق متنوع ومرن للتعليم العالي وتعزيز التعاون العربي في هذا المجال. وفى واقع الأمر إن مثل هذه الإستراتيجيات لا بد أن تأخذ في اعتبارها الآتي:
1. إصلاح هياكل التعليم العالي الداخلية والخارجية من خلال تشخيص العلل التي تواجه مدخلات ومخرجاته وعملياته، وتقويم كفاءته الداخلية والخارجية وتشخيص مشكلاتها ذات العلاقة بمخرجاته للمجتمع.
2. معرفة حاجات التنمية وأسواق العمل من خريجي التعليم العالي ومن البحوث العلمية والخدمات الاجتماعية وحاجات السكان إلى التعليم العالي وفروعه المختلفة.
ومن هنا تبرز ضرورة أن ترتكز إستراتجيات التخطيط في التعليم العالي خصوصا الأكاديمية منها، على المنافسة وأن تدرك العوامل السوقية المؤثرة في التعليم العالي ، وتراعى الانسجام بين مدخلاتة ومخرجاته ، كما تراعى الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها . وكذلك تقليص نسبة البطالة في الدول العربية بجميع أشكالها ومظاهرها، مع ضرورة مشاركة قطاعات الأعمال في تخطيط البرامج التعليمية، وتمويل مشروعات التعليم العالي بما يحقق أهداف التنمية.
لقد برهنت العديد من الدراسات والتجارب في العالم أن الحوكمة الرشيدة في مؤسسات التعليم العالي خطوة ضرورية تجاه تطوير نوعية التعليم العالي وأحد العناصر الأساسية التي تؤدى إلى تحسين المخرجات التعليمية. وفى الواقع تبين أن الجامعات العريقة في العالم تتميز جميعها بسياسات فعالة للحوكمة والتمويل والقيادة، فضلا عن اعتماد هذه المؤسسات آليات مؤسساتية واضحة للحرص على نوعية الهيكل التعليمي فيها . تعد الحوكمة الجامعية من أهم الأنظمة الأساسية التي تهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة، جودة القيادة والإدارة والأداء، وجودة العمليات، والمخرجات ، كما أن التعليم العالي بمؤسساته يمثل الأرضية المناسبة لتطبيق قواعدها ومبادئها ، وخير مثال على ذلك نجاح المملكة المتحدة في تطبيقها في جامعاتها ، إذ أسهم ذلك وبشكل واضح وفاعل في بلوغ تلك الجامعات مراكز متقدمة في التصنيف العالمي للجامعات .
إن مؤسسات التعليم العربي يجب أن تواصل تعزيز قدراتها على الابتكار، وتدعيم البحث العلمي في مجال التكنولوجيات الأساسية، والحديثة , والعامة , من أجل توفير الدعم العلمي والتكنولوجي لتعديل نمط النمو الاقتصادي وكذا تطوير نظام صناعي حديث . وأن تكون مصدرا مهما للبحوث الجوهرية , والابتكارات في مجال التكنولوجيات المتقدمة , وقوة مهمة للابتكار في النظرية والثقافة , ومنبرا مهماَ لحشد المواهب الابتكارية , وقاعدة لتدريبهم . وأن تقوم على اكتشاف طريقة لإعداد المواهب. ومن المؤسف إنه في الوقت الذي يظهر فيه التقسيم الدولي للعمل في سياق مجتمعات ما بعد الصناعة أو ما بعد الحداثة ( حيث الإنتاج الكثيف للمعرفة إنه بحاجة إلى خريج متعدد القدرات بمثابة وحدة إنتاجية متكاملة لديه القابلية للتعلم المستمر مدى الحياة , فإن تقرير اليونسكو "التعليم والمهارات من أجل التنمية الشاملة قد كشف عن أن سوق العمل في البلدان العربية مازال بحاجة إلى عمالة أكثر تأهيلا ؛ حيث أن تراكم المعرفة أصبح اليوم أقل أهمية , فالكثير من المعارف يمكن الحصول عليها بواسطة محركات البحث في الانترنت , وبغير المهارات المناسبة لا يتمكن الخريج من الوصول إلى مرحله التميز التي تسهم فى رفع القدرات التنافسية في السوق المعولم . لذلك فإن المجتمعات العربية مطالبة بتغيير ذهنيتها وسياساتها لتضع التعليم عالي الجودة في بؤرة أولوياتها.