الخميس 02 مايو 2024 - 12:17 مساءً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

التجديد والسياحة (9)

الاثنين 10 أكتوبر 2016 12:31:53 مساءًمشاهدات(1188)
لم يكن لفظ السياحة بمفهومها المعاصر معروفاً عند الفقهاء الأقدمين، ولذا فلا تجد فى كتب الفقه التراثية حديثاً عن السياحة وأحكام السياح فى بلاد المسلمين، لكن إذا تفحَّصت فى كتبهم عثرت على بغيتك تحت مسميات أخرى، فقد عرفوا وتحدثوا عن وجود الأجانب فى بلاد المسلمين تحت اسم «المستأمَن»، فأفردوا حديثاً مطولاً عن حقوقه وواجباته وحتى عن كيفية التعامل معه فى حال الاعتداء منه أو عليه فى بلاد المسلمين، كما تحدثوا عن المسلم الذى يذهب إلى بلاد غير المسلمين وما يحل له وما يحرم عليه فى أثناء إقامته فى بلادهم، وهو ما نحتاجه عند حديثنا عن السياحة وأحكامها، حيث يظهر بجلاء من خلال معرفة ما يتعلق بالمستأمن من أحكام إجماع الفقهاء على مشروعية السياحة وإعطاء الإذن بها لمن أراد دخول بلاد المسلمين لأداء عمل أو تجارة أو زيارة معالم تاريخية أو طبيعية أو غير ذلك من الأغراض، ولم يكن فى اتفاقهم هذا تردد لأن دخول غير المسلمين حتى من البلاد المعادية بعد حصولهم على عقد الأمان -وهو المتمثل فى تأشيرات الدخول المعروفة فى زماننا- ثابت بنص كتاب الله عز وجل، حيث يقول تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ»، فإذا كان الإذن بدخول بلاد المسلمين لمن يحارب المسلمين جائزاً بنص كتاب الله فجوازه لغير المعادى أولى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم من بعده يستقبلون سفراء الدول غير المسلمة الحاملين لرسائل من ملوكهم أو رؤسائهم، بل كانوا يكرمون وفادتهم حتى يعودوا سالمين إلى ديارهم، ولا يتعرض لهم أحد من المسلمين أو غيرهم من مواطنى الدولة بسوء حتى لو كانوا يحملون رسالة فيها تهديد ووعيد، وربما يحفظ كثير من الناس ما كان من رسولنا الأكرم حين أرسل إليه مسيلمة الكذاب الذى كان يدّعى النبوة برسولين تجاوزا كثيراً فى حديثهما عند رسول الله حتى غضب غضباً شديداً، لكنه لم يأمر بعقابهما بل قال: «لولا أن الرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما»، فهذا المبدأ الذى أرساه النبى صلى الله عليه وسلم سبق به مواثيق الأمم المتحدة وغيرها من المواثيق التى تحمى السفراء والأجانب من الاعتداء عليهم من أهل البلد المضيف، وهو ما جاء به كتاب الله من قبل، حيث أوجب رد الأجنبى إلى بلده آمناً من خلال الصيغة الدالة على الوجوب والإلزام فى قوله تعالى: «ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ».
 
ومن ثم، فالسائح فى بلاد المسلمين يتفق الفقهاء على حرمة دمه وماله وعرضه، وعقاب المعتدى عليه بأى صورة من صور الاعتداء، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفاً»، وهو نص صريح يدل دلالة واضحة على إعلاء شريعتنا السمحة لقيمة العهد والأمان من غير نظر إلى دين أو عرق أو لون، فما أعظم تعاليم الإسلام وقيمه، وما أقبح ما يقوله ويفعله المتجرئون على شرع الله ممن ينتهكون عهد السياح فى بلاد المسلمين بزعم أنهم من غير المسلمين، فيسفكون دماءهم أو يتعرضون لأموالهم بالاستغلال أو النصب أو الاحتيال أو الغصب أو السرقة، فالسائح فى بلاد المسلمين له عهد وأمان أمرنا الله عز وجل بالوفاء به، حيث يقول تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، ويقول: «وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا»، ويقول أيضاً: «فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»، وحذرنا إسلامنا الحنيف من الغدر ونقض العهود حتى فى حال ظهور بوادر الغدر من قبل المعاهدين، بل علينا إعلامهم بإلغاء عهدهم قبل اتخاذ أى إجراءات ضدهم إن كانوا فى بلادهم، وهو ما يُعرف فى زماننا بإلغاء الاتفاقيات بين الدول، يقول تعالى: «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَه لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ»، أما السائح فله الأمان والحماية ما دام ملتزماً بعهده ولم يتعرض لمواطنى الدولة بسوء، فإن صدر منه تجاوز يتنافى مع مقتضيات العهد دون أن يرتكب جريمة توجب العقاب، فللجهات المسئولة إلغاء إقامته ومطالبته بالمغادرة دون أن يمس بسوء.