السبت 27 أبريل 2024 - 05:17 صباحاً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

تراثنا .. المفترى عليه 2

الاثنين 24 فبراير 2020 01:05:00 مساءً

بقلم: الكاتب والمفكر مؤمـن الهبـاء رئيس تحرير المساء السابق
عندما أصدرت إحدى دور النشر ملخصا لإحدى روايات أديبنا الكبير نجيب محفوظ مثلما يفعل الإنجليز مع روايات شكسبير وتشارلز دكنز قامت الدنيا ولم تقعد ، وشن إخواننا التنويريون حملة هائجة تتهم دار النشر بالعبث فى تراث أديب نوبل ، ظنا منهم بأن دار النشر استهدفت تنقية الرواية من الإيحاءات الجنسية والعبارات الفاحشة والحوارات الخارجة عن الآداب العامة ، وهو الأمر الذى اعتبروه تخريبا وتضييعا للتراث المحفوظى ، ولم تهدأ الحملة إلا بعد أن أظهرت دار الشر موافقة مكتوبة من محفوظ على نشر الملخص.
وبصرف النظر عما يجوز ولا يجوز فى تصرف دار النشر فإن حملة التنويريين أعطت مؤشرا لحرصهم على أن يبقى تراث نجيب محفوظ كما هو ، وألا تقترب يد من الإيحاءات الجنسية والعبارات الفاحشة والحوارات الخارجة عن الآداب العامة حتى يظل أدبه على النحو الذى كتب به دون مساس ، وقبل ذلك قاموا بحملات مشابهة لحماية كتابى " ألف ليلة ووليلة " و " كليلة ودمنة " من أى تدخل لحذف أو تغيير حرف واحد فيهما .
حسنا .. لكنهم مع كل هذا الحرص الذى يقترب من الحصانة والقداسة يطالبون ـ هم أنفسهم ـ بتنقية التراث الإسلامى ، وتطويره والقفز عليه والتهوين من شأنه ، وبلغ بأحدهم الشطط مؤخرا فذكرنا بأن تدوين السنة والأحاديث النبوية الشريفة كان خطأ ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا التدوين ، دون أن يدرك أن نهى الرسول كان بسبب الخوف من أن يختلط الوحى القرآنى عند الناس بأحاديثه الشريفة ، فلما زالت دواعى الخوف ، وأحكمت الأسوار حول الوحى القرآنى لتفصله عن أى كلام آخر ، ومات كثير من الصحابة والتابعين الذين يحفظون السنة ، كان لابد من تدوينها باعتبارها المصدر الثانى للتشريع الإسلامى ، والمفسرة لبعض ما أجمله القرآن الكريم .
ومع كل التقدير والتوقير الذى يحمله المسلمون للسنة والأحاديث النبوية الشريفة فإن مساحة الحرية التى يمنحها تراثنا للفكر العلمى المنهجى لم تمنع علماء كبارا على مدى عقود وقرون من أن يأخذوا ببعض هذه الأحاديث ويتركوا بعضها ، بناء على ما بلغوه فى درجات العلم والتمحيص ، فلم يعد لدينا " البخارى " وحده ، وإنما صار عندنا كتب مسلم والترمذى والنسائى وأبو داوود وغيرهم ، حتى جاء الإمام النووى وأثبت 40 حديثا فقط ، تعرف بـ " الأربعون النووية " ، ووضع بذلك قاعدة ذهبية لمن أراد أن يعمل فى تخريج الأحاديث النبوية دون أن يتلصص على من هم قبله ، أو يطعن فيهم ويشوههم ويقلل من قدرهم وعلمهم .
ونحن ـ إذا حسنت النيات ـ نستطيع أن نفعل كما فعل الإمام النووى ، فتقوم لجنة من كبار العلماء على استخراج الأحاديث النبوية التى تساعد فى دعم مشروعنا الثقافى والفكرى ، إن كان عندنا هذا المشروع ، وتترك الأحاديث المختلف عليها فى البخارى تراثا عظيما لأمتنا .
إن الهجمة الشرسة على التراث فى هذه الأيام لا يمكن فهمها إلا فى إطار الحملة الموسعة لتدمير تاريخنا وتشويه حضارتنا واغتيال شخصيتنا الوطنية والقومية والدينية ، فقد كنا إلى وقت قريب نهتم بهذا التراث ونبجله ونوقظه ، ونعيد طبعه ونشره كما هو ، ولعلى أشير هنا إلى سلسلة الذخائر التى كانت تصدرها هيئة قصور الثقافة بإشراف الدكتور عبد الحكيم راضى كإحدى وسائل إحياء هذا التراث ، وتم من خلالها إعادة طبع مجموعة من أنفس كتب تراثنا قبل أن يهجم علينا جيش الناقمين ، ومن هذه الكتب " ألف ليلة وليلة " 8 مجلدات ، و" رسائل إخوان الصفا " 4 مجلدات ، و" تجريد الأغانى " 6 مجلدات ، و" اتعاظ الحنفا " ، و" رسائل ابن عربى " ، و " مقاتل الطالبيين " ، و" طبقات فحول الشعراء " ، إضافة إلى كتب الجاحظ ودوايين المتنبى وأبى تمام ، وغير ذلك مما لا يتسع له المقال .
والغريب فى الأمر أن هؤلاء الناقمين على التراث لا يتلصصون إلا على التراث الإسلامى فقط ، ولا يهاجمون إلا ما يتعلق منه بالدين ، رغم أن كل تراث بشرى فيه الغث والسمين ، وكل منتج عقلى لا يخلو من عيب أو نقصان ، فالكمال لله وحده ، ومع ذلك فإن تراثنا هذا ـ المقدس منه وغير المقدس ـ مشرف ومضيء رغم أنف الكارهين ، وفيه من الدرر واللآلئ ما يخلب الألباب ويصلح أحوال الأفراد والأمم ، لكننا لا نقرأ ، وإذا قرأنا لا نحسن الفهم ، ولا نعدل فى الحكم ، تبهرنا كلمة مستوردة من الغرب ، ولا تجذبنا حكمة فى تراثنا .
عندما استفزتنى الهجمة الشرسة على التراث فى بدايتها ، وكنت أظنها موجة قصيرة وتمضى ، كتبت " منشورا " فى صفحتى على " فيسبوك " قلت فيه : " تراثنا فيه جملة واحدة قالها عمر بن الخطاب كفيلة بإصلاح العالم : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ، أما الآن وقد اشتدت الهجمة فإننا مطالبون بالنظر فى هذا التراث بعين محبة ، عين منتمية بحق ، غير مبغضة ولا ناقمة ولا متآمرة ، لنرى مواطن الجمال والإبداع فيه , ولنذكر إخواننا التنويريين بأن هذا التراث يمكن أن يساعد فى انتشال الأمة من حالة الضعف والفرقة والتفكك التى تعيشها .
أدعو الله أن يوفقنى إلى ذلك فى مقال الأسبوع القادم إن كان فى العمر بقية