الثلاثاء 19 مارس 2024 - 03:58 صباحاً
اختيارات القراء يومى شهرى
  • فيديوهات
تحية للقوات المسلحة والجيش الابيض والشرطة لمجابهة كورنا
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
السيسى اثناء التصويت ف الانتخابات
مسجد الروضة ببئر العبد بعد تجديده
احداث انفجار مسجد العريش
أول صورة للمتهم بأكل أحشاء شقيقه
  • استطلاع رأى

هل تتوقع نجاح تجربة المدارس اليابانية؟

  نعم


  لا


نتائج
  • القائمة البريدية
ضع اميلك هنا
  • معجبى الفيس بوك
  • معجبى تويتر

الأدب والحق في الموت (2)

السبت 20 يونيو 2020 08:14:27 مساءًمشاهدات(1054)
يتابع إريك مارتي أستاذ الأدب المعاصر في جامعة باريس في كتاب " رولان بارت : الأدب والحق في الموت " بقولة : من هذا المنطلق يصبح بارت قريبا من منضب آخر للكلمات هو مالا رمية ، هذا ما يشرح التقارب بين مذكراته المبهرة مع التجربة التي عاشها مالا رمية في حداد مهم . السؤال الآخر المهم الذي تحمله " مذكرات الحداد " هو " ماذا يحق لي كتاباته ؟ وهو سؤال يلامس موضوع الحداد ، الأم . لآن الأم هي بالتأكيد الموضوع الكبير والمستحيل لكل أدب ، بل أكثر من ذلك في الأدب الحديث . الأم هي بالتأكيد الموضوع المعاكس للحداثة منذ أمد بعيد . إن نظام الكتابة الذي يقترب منه بارت أكثر من غيره هو النظام المتبع في الكتاب التاسع من اعترافات القديس أوغسطين ، حيث يسرد وفاة والدته. هناك بالفعل هذه الفقرة الرائعة حيث يدرج القديس أوغسطين من خلال عبارة " هذه هي أمي " فساد الصورة ، لصورتها . و لكنه يكشفها بطريقة متفردة . إنها حكاية " خطيئة الأم الطفلة " التي تعهد بها إلى أوغسطين ذات يوم خادمة عجوز . هذه الأم كانت مكلفة بملء الأواني بالنبيذ للسفرة العائلية ، وكانت تشرب منه عند مرورها : " قبل أن تصب النبيذ في الإناء شربت منه قليلا بأطراف شفاهها ، قليل جداً " . هذه هي الذكرى الأولى التي تظهر في مخيلة أوغسطين في الوقت الذي علم فيه بوفاتها . ما يميز بارت عن القديس أوغسطين في " الاعترافات " ، أن بارت يرفض مواساة العقل . إذ يحكى أوغسطين في الفصل العاشر الذي يروى موت الأم النشوة الدينية التي عاشها الاثنان قبل موتها ، بارت تصرف مثل فيون في " نزهة لصلاة للسيدة العذراء " : الأم معزولة على الأقل من النطاق الذي يسكنه الابن و الذي هو نطاق الكتابة . الأم لدى أوغسطين أكثر دخولا في عالم الابن لأنها حاملة للكلمة ، الكلمة الإلهية . في حين أن بارت كتب بعد وفاة والدته ببضعة أيام : " فكرة مخيفة لكنها غير مؤسفة إنها لم تكن " كل شيء " بالنسبة لي و إلا لما كتبت عملا . منذ أن قمت برعايتها ، منذ ستة أشهر ، كانت كل شيء بالنسبة لي وكنت نسيت تماماً أنني كتبت ، كنت لها كلياً . من قبل ، كانت تجعل نفسها شفافة حتى أستطيع الكتابة " . إن زمن العمل ليس زمن اليوميات ، فالعمل يسقط الوقت ، الكتابة لا تتوقف عن إزالة آثار الزمن مع ذلك تغذيها . هكذا ، في وقت ما ، من الغرفة المضيئة ، يتذكر بارت الحدس الأولى الذي كان الدافع وراء الكتاب ، ويكتب عن هذه البداية ما بين قوسين " إنها لبعيدة بالفعل " الكاتب كثير النسيان . نفهم أن يوميات الحداد هي مساحة للاعتراض على ثقافته ، على حضارته التي أهملت وأضاعت عالم الحرف ، الحرفية لصالح ما يزيل الحرف ، وإذا يزيل ويكبح الموت . هذا الاعتراض يستهدف أحيانا الأصدقاء والمعارف الذين لا يتوقفون عن المجادلة عن الرغبة في تحويل الحزن إلى نسيان . وهدف خطابة هو التحليل النفسي ، الذي هو كعلم النفس ، يشكل تشويه أحرف الكلمات :" بروست يتحدث عن الحزن لا عن الحداد ( كلمة جديدة ، تحليل نفسي مشوه ) . أو كذلك " عدم قول حداد ، يدخل بشدة في نطاق التحليل النفسي . لست في حداد ولكنى أشعر بألم . من هذا المنطلق ، فإن يوميات الحداد كذلك ولكن بشكل مختلف " درجة الصفر للكتابة " مثيولوجيات و ، S/Z ، تعد يوميات الحداد تأملا عنيفاً على العلامة ونقدا للحضارة الحالية التي هي حضارة النسيان . ليس المقصود بنسيان الشخص ، كما يعتقد بعض الفلاسفة ، ولكنه نسيان الرمز ، بمعنى النسيان بلا علاج . لهذا السبب يذهب بارت ، ضد حضارته والثقافة التي يسكنها ، إلى اللجوء في يوميات الحداد إلى مساحة أخرى ، مساحة تعبير أخرى سوف نطلق عليها الشرق . هذا الشرق الذي يحوى كثيراً من تجارب العلامة التي سرقت اليوم من ذاكرتنا ، إلا أن هذا الشرق ليس هنا إمبراطورية العلامات أو الكتابة الرمزية حيث يرتسم منها فراغ آخر . إنه شرق آخر ، ليس شرقاً أقصى ، لكن أقرب إلينا ، يلمسنا عن قرب ، لقد كان تقريباً شرقنا وإلا ما نسيناه . والذي يعود بأشكال مختلفة في اليوميات . إنه الشرق العبراني الذي ينتمي إلية المسيح . إنه الشرق الإغريقي ، حيث تظل الأيقونة مثل الحجر هي أداة الحفظ الغائبة " مكان الغرفة حيث كانت مريضة وحيث أسكن الآن ، الحائط الذي يتكئ عليه ظهر السرير ، وضعت أيقونة – ليس بدافع الإيمان – كما وضعت ورداً على منضدة . أجد نفسي لا أرغب في السفر حتى أستطيع أن أكون هنا ، حتى لا يذبل الورد " . أنة الشرق الروسي الذي ينتمي إليه تولستوي حيث القداسة تعلن بعظمة اللا لغة وكأنها عدم انشغال بالظهور . وفى خاتمة الكتاب يقول إريك مارتي : هكذا ندخل إذن في نطاق الحق في الموت حيث لا يمكن تمييز بين القرب والبعيد ، الندرة والاكتمال ، الدموع وقوة القلب ، الذاكرة والنسيان . الحق في الموت ، إنه في ذاته تماماً كالرغبة في الحياة ، كالانفعالية التي هي تلك الرغبة ، تطارد بلا توقف ، تجذب وتباعد ، ومن خلال هذه الحركة نفسها ، حركة الموت وحركة الابتعاد عن الموت ، تشكل وتجعل فعل الكتابة يولد .